(وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) جواز استباحة منافعها فإن الإثم مقصور على بعض الأحوال دون بعض فإنما ذهبوا عن حكم الآية بالتأويل وأما قوله إنها لو كانت حراما لما أقرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم على شربها فإنه ليس في شيء من الأخبار علم النبي صلّى الله عليه وسلّم بشربها ولا إقرارهم عليه بعد علمه وأما سؤال عمر رضى الله عنه بيانا بعد نزول هذه الآية فلأنه كان للتأويل فيه مساغ وقد علم هو وجه دلالتها على التحريم ولكنه سأل بيانا يزول معه احتمال التأويل فأنزل الله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية* ولم يختلف أهل النقل في أن الخمر قد كانت مباحة في أول الإسلام وأن المسلمين قد كانوا يشربونها بالمدينة ويتبايعون بها مع علم النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك وإقرارهم عليه إلى أن حرمها الله تعالى فمن الناس من يقول إن تحريمها على الإطلاق إنما ورد في قوله (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ـ إلى قوله ـ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وقد كانت محرمة قبل ذلك في بعض الأحوال وهي أوقات الصلاة بقوله (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) وأن بعض منافعها قد كان مباحا وبعضها محظورا بقوله (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) إلى أن أتم تحريمها بقوله (فَاجْتَنِبُوهُ) وقوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وقد بينا ما يقتضيه ظاهر كل واحد من حكم الآيات من حكم التحريم* وقد اختلف فيما يتناوله اسم الخمر من الأشربة فقال الجمهور الأعظم من الفقهاء اسم الخمر في الحقيقة يتناول التي المشتد من ماء العنب وزعم فريق من أهل المدينة ومالك والشافعى أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فهو خمر والدليل على أن اسم الخمر مخصوص بالتي المشتد من ماء العنب دون غيره وأن غيره إن سمى بهذا الإسم فإنما هو محمول عليه ومشبه به على وجه المجاز حديث أبى سعيد الخدري قال أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بنشوان فقال له أشربت خمرا فقال ما شربتها منذ حرمها الله ورسوله قال فماذا شربت قال الخليطين قال فحرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخليطين فنفى الشارب اسم الخمر عن الخليطين بحضرة النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم ينكره عليه ولو كان ذلك يسمى خمرا من جهة لغة أو شرع لما أقره عليه إذ كان في نفى التسمية التي علق بها حكم نفى الحكم ومعلوم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقر أحدا على حظر مباح ولا على استباحة محظور وفي ذلك دليل على أن اسم الخمر منتف عن سائر الأشربة إلا من النى المشتد من ماء العنب لأنه إذا كان الخليطان لا يسميان خمرا مع وجود قوة الإسكار منهما علمنا أن الاسم مقصور على ما وصفنا ويدل عليه