الثوري والحسن بن صالح وقال مالك والليث والشافعى بما روى عن أبى الدرداء وعائشة أنه يوقف بعد مضى المدة فإما أن يفيء وإما أن يطلق ويكون تطليقة رجعية إذا طلق قال مالك ولا تصح رجعته حتى يطأها في العدة وقال الشافعى ولو عفت عن ذلك بعد المدة كان لها بعد ذلك أن تطلب ولا يؤجل في الجماع أكثر من يوم وقال الأوزاعى بقول سعيد بن المسيب وسالم ومن تابعهما أنها تطلق واحدة رجعية بمضى المدة قال أبو بكر قوله تعالى (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يحتمل الوجوه التي حصل عليها اختلاف السلف ولو لا احتماله لها لما تأولوه عليها لأنه غير جائز تأويل اللفظ المأول على ما لا احتمال فيه وقد كان السلف من أهل اللغة والعالمين بما يحتمل من الألفاظ والمعاني المختلفة وما لا يحتملها فلما اختلفوا فيه على هذه الوجوه دل ذلك على احتمال اللفظ لها ومن جهة أخرى وهي أن هذا الاختلاف قد كان شائعا مستفيضا فيما بينهم من غير نكير ظهر من واحد منهم على غيره فصار ذلك إجماعا منهم على توسع الاجتهاد في حمله على أحد هذه الوجوه وإذا ثبت ذلك احتجنا أن ننظر في الأولى من هذه الأقاويل وأشبهها بالحق فوجدنا ابن عباس قد قال عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر قبل الفيء إليها فسمى ترك الفيء حتى تمضى المدة عزيمة الطلاق فوجب أن يصير ذلك اسما له لأنه لم يخل من أن يكون قاله شرعا أو لغة وأى الوجهين كان فحجته ثابتة واعتبار عمومه واجب إذا كانت أسماء الشرع لا تؤخذ إلا توقيفا وإذا كان هكذا وقد علمنا أن حكم الله في المولى أحد شيئين إما الفيء وإما عزيمة الطلاق وجب أن يكون الفيء مقصورا على الأربعة الأشهر وأنه فائت بمضيها فتطلق لأنه لو كان الفيء باقيا لما كان مضى المدة عزيمة للطلاق ومن جهة أخرى وهو أنه معلوم أن العزيمة إنما هي في الحقيقة عقد القلب على الشيء تقول عزمت على كذا أى عقدت قلبي على فعله وإذا كان كذلك وجب أن يكون مضى المدة أولى بمعنى عزيمة الطلاق من الوقف لأن الوقف يقتضى إيقاع طلاق بالقول إما أن يوقعه الزوج وإما أن يطلقها القاضي عليه على قول من يقول بالوقف وإذا كان كذلك كان وقوع الفرقة بمضى المدة لتركه الفيء فيها أولى بمعنى الآية لأن الله لم يذكر إيقاعا مستأنفا وإنما ذكر عزيمة فغير جائز أن نزيد في الآية ما ليس فيها ووجه آخر وهو أنه لما قال (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)