عن ابن عباس وعن غيره من أهل التفسير إطلاق لفظ النسخ ومرادهم التخصيص فإنما أراد قتادة بذكر النسخ في الآيسة التخصيص لا حقيقة النسخ لأنه غير جائز ورود النسخ إلا فيما قد استقر حكمه وثبت وغير جائز أن تكون الآيسة مرادة بعدة الإقراء مع استحالة وجودها منها فدل على أنه أراد التخصيص وقد يحتمل وجها على بعد عندنا وهو أن يكون مذهب قتادة أن التي ارتفع حيضها وإن كانت شابة تسمى آيسة وأن عدتها مع ذلك الإقراء وإن طالت المدة فيها وقد روى عن عمر أن التي ارتفع حيضها من الآيسات وتكون عدتها عدة الآيسة وإن كانت شابة وهو مذهب مالك فإن كان إلى هذا ذهب في معنى الآيسة فهذه جائز أن تكون مرادة بالإقراء لأنها يرجى وجودها منها وأما قوله ونسخ من الثلاثة قروء الحامل فإن هذا أيضا جائز سائغ لأنه لا يمتنع ورود العبارة بأن عدة الحامل ثلاث حيض بعد وضع الحمل وإن كانت ممن لا تحيض وهي حامل فجائز أن يكون عدتها ثلاثة قروء بعد وضع الحمل فنسخ بالحمل إلا أن أبى بن كعب قد أخبر أن الحامل لم تكن مرادة بعدة الإقراء وأنهم سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فأخبر بأنه لم تنزل في الحامل والآيسة والصغيرة فأنزل الله تعالى ذلك وليس يجوز إطلاق النسخ على الحقيقة إلا فيما قد علم ثبوت حكمه وورود الحكم الناسخ له متأخرا عنه إلا أن يطلق لفظ النسخ والمراد التخصيص على وجه المجاز فلا يضيق وأولى الأشياء بنا حمله على وجه التخصيص فيكون قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) لم يرد إلا خاصا في المطلقات ذوات الحيض المدخول بهن وأن الآيسة والصغيرة والحامل لم يردن قط بالآية إذ ليس معنا تاريخ لورود هذه الأحكام ولا علم باستقرار حكمها ثم نسخه بعده فكأن هذه الآيات وردت معا وترتبت أحكامها على ما اقتضاها من استعمالها وبنى العام على الخاص منها وقد روى عن ابن عباس وجه آخر من النسخ في هذه الآية وهو ما روى الحسين بن الحسن بن عطية عن أبيه عطية عن ابن عباس قال (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ـ إلى قوله ـ (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته كان أحق بردها وإن طلقها ثلاثا فنسختها هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) ـ إلى قوله ـ (جَمِيلاً) وعن الضحاك بن مزاحم والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقال (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) فنسخ واستثنى منها فقال (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَ