أبى حفص بن المغيرة وأن أبا حفص بن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات فزعمت أنها جاءت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذكر الحديث قال أبو داود وكذلك رواه صالح بن كيسان وابن جريج وشعيب بن أبى حمزة كلهم عن الزهري فبين في هذا الحديث ما أجمل في الحديث الذي قبله أنه إنما طلقها آخر ثلاث تطليقات وهو أولى لما فيه من الإخبار عن حقيقة الأمر والأول فيه ذكر الثلاث ولم يذكر إيقاعهن معا فهو محمول على أنه فرقهن على ما ذكر في هذا الحديث الذي قبله فثبت بما ذكرنا من دلائل الكتاب والسنة واتفاق السلف أن جمع الثلاث محظور* فإن قيل فيما قدمناه من دلالة قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) على حظر جمع الاثنتين في كلمة واحدة أنه من حيث دل على ما ذكرت فهو دليل على أن له أن يطلقها في طهر واحد مرتين إذ ليس في الآية تفريقهما في طهرين وفيه إباحة تطليقتين في مرتين وذلك يقتضى إباحة تفريق الاثنتين في طهر واحد وإذا جاز ذلك في طهر واحد جاز جمعهما بلفظ واحد إذ لم يفرق أحد بينهما* قيل له هذا غلط من قبل أن ذلك اعتبار يؤدى إلى إسقاط حكم اللفظ ورفعه رأسا وإزالة فائدته وكل قول يؤدى إلى رفع حكم اللفظ فهو ساقط وإنما صار مسقطا لفائدة اللفظ وإزالة حكمه من قبل أن قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) قد اقتضى تفريق الاثنتين وحظر جمعهما في لفظ واحد على ما قدمنا من بيانه وإباحتك لتفريقهما في طهر واحد يؤدى إلى إباحة جمعهما في كلمة واحدة وفي ذلك رفع حكم اللفظ ومتى حظرنا تفريقهما وجمعهما في طهر واحد وأبحناه في طهرين فليس فيه وقع حكم اللفظ بل فيه استعماله على الخصوص في بعض المواضع دون بعض فلم يؤد قولنا بالتفريق في طهرين إلى رفع حكمه وإنما أوجب تخصيصه إذ كان اللفظ موجبا للتفريق واتفق الجميع على أنه إذا أوجب التفريق فرقهما في طهرين فحصصنا تفريقهما في طهر واحد بدلالة الاتفاق مع استعمال حكم اللفظ ومتى أبحنا التفريق في طهر واحد أدى ذلك إلى رفع حكم اللفظ رأسا حتى يكون ذكره للطلاق مرتين وتركه سواء وهذا قول ساقط مردود* واحتج من أباح ذلك أيضا بحديث عويمر العجلاني حين لاعن النبي صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين امرأته فلما فرغا من لعانهما قال كذبت عليها إن أمسكتها هي طالق ثلاثا ففارقها قبل أن يفرق النبي صلّى الله عليه وسلّم بينهما قال فلما لم ينكر الشارع صلّى الله عليه وسلّم إيقاع الثلاث معا دل على إباحته وهذا الخبر لا يصح للشافعي الاحتجاج به لأن من مذهبه