ومن هنا تتّضح هويّة قارون .. فإنّ فرعون من أجل إذلال بني إسرائيل وسلب أموالهم اختار رجلا منافقا منهم ، وأودعه أزمّة أمورهم ، ليستثمر أموالهم لخدمة نظامه الجبار ، وليجعلهم حفاة عراة ، ويكتسب من هذه الطريقة ثروة ضخمة منهم!.
والقرائن تشير إلى أنّ مقدارا من هذه الثروة العظيمة وكنوز الأموال بقيت بعد هلاك فرعون عند قارون ، ولم يطلع موسى عليهالسلام ـ إلى تلك الفترة ـ على مكان الأموال لينفقها على اتباعه الفقراء.
وعلى كل حال ، فسواء كانت هذه الثروة قد حصل عليها قارون في عصر فرعون ، أو حصل عليها عن طريق الإغارة على خزائنه بعد هلاكه ، أو كما يقول البعض قد حصل عليها عن طريق علم الكيمياء أو التجارة ... أو معرفته بأصول استثمار أموال المستضعفين.
مهما يكن الأمر فإنّ قارون آمن بموسى بعد انتصار موسى على فرعون ، وبدّل وجهه بسرعة ، وأصبح من قرّاء التوراة وعلماء بني إسرائيل ... في حين أنّ من البعيد أن تدخل ذرة من الإيمان في مثل قلب هذا المنافق!.
وأخيرا فحين أراد موسى عليهالسلام أن يأخذ من قارون زكاة المال ، خدع به الناس ، وعرفنا كيف كانت عاقبته.
٣ ـ موقف الإسلام من الثّروة!
لا ينبغي أن نستنبط من المسائل التي ذكرناها آنفا أنّ الإسلام يقف من الثروة موقفا سلبيا ، وأنّه يخالف خط الثراء ، ولا ينبغي أن نتصور أنّ الإسلام يريد حياة الفقر والفقراء ، ويعدّ حياة الفقر من الكلمات المعنوية!.
بل على العكس من ذلك ، فإنّ الإسلام يعد الثروة عاملا مهمّا نحو الآخرة! وقد عبّر القرآن عن المال بالخير في الآية (١٨٠) من سورة البقرة (إِنْ تَرَكَ