الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
فأية خسارة أعظم من أن يرى الإنسان عمله القبيح حسنا!! وأن يهدر جميع طاقاته من أجله ، ظنّا منه بأنّه عمل «إيجابي» مثبت ، إلّا أنّه يراه في عاقبة أمره شقاء وذلة وعذابا.
وأمّا الآية الأخيرة ـ من الآيات محل البحث ـ فهي بمثابة إكمال البيانات السابقة في صدد عظمة محتوى القرآن ، ومقدمة لقصص الأنبياء التي تبدأ بعدها مباشرة فتقول : (وَإِنَّكَ (١) الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ).
وبالرغم من أنّ الحكيم والعليم كلاهما إشارة إلى علم الله سبحانه ، إلّا أن الحكمة تبيّن الجوانب العملية ، والعلم يبيّن الجوانب النظرية ... وبتعبير آخر : إن العليم يخبر عن علم الله الواسع ، والحكيم يدل على الهدف من إيجاد هذا العالم وإنزال القرآن على قلب النّبي (محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم).
ومثل هذا القرآن النازل من قبل الله ينبغي أن يكن مبينا ... وهدى وبشرى للمؤمنين ، وأن تكون قصصه خالية من أي نوع من أنواع الخرافات والتضليل والأباطيل والتحريف.
الواقعية والإيمان :
المسألة المهمة في حياة الإنسان هي أن يدرك الواقعيّات بما هي عليه ، وأن يكون موقفه منها صريحا ... فلا تمنعه من فهمها وإدراكها تصوراته وأحكامه المسبقة ورغباته الانحرافية وحبّه وبغضه ، ولذلك فأنّ أهم تعريف للفلسفة هو : إدراك الحقائق كما هي!.
__________________
(١) «تلقى» فعل مضارع مبني للمفعول ، وهو من باب التفعيل ، والفعل الثلاثي المجرّد من هذه المادة (لقي) وهو يتعدى إلى مفعول واحد. أمّا المزيد فيتعدى إلى مفعولين. وفي الآية محل البحث (الله) هو الفاعل وملقي القرآن ، والنّبي (مفعول به أول) ، والقرآن مفعول ثان ، وحيث أنّ الفعل بني للمجهول يقوم المفعول الأوّل مقام الفاعل فرفع ، وأمّا المفعول الثّاني فعلى حالة.