بحوث
١ ـ الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم .. الأمي
صحيح أن القراءة والكتابة تعدّان ـ لكل إنسان ـ كمالا .. إلّا أنّه يتفق أحيانا ـ وفي ظروف معينة ـ أن يكون من الكمال في عدم القراءة والكتابة ... ويصدق هذا الموضوع في شأن الأنبياء ، وخاصة في نبوّة خاتم الأنبياء «محمّد» صلىاللهعليهوآله.
إذ يمكن أن يوجد عالم قدير وفيلسوف مطّلع ، فيدّعي النبوّة ويظهر كتابا عنده على أنّه من السماء ، ففي مثل هذه الظروف قد تثار الشكوك والاحتمالات أو الوساوس في أنّ هذا الكتاب ـ أو هذا الدين ـ هو من عنده لا من السماء!.
إلّا أنّنا إذا رأينا إنسانا ينهض من بين أمّة متخلفة ، ولم يتعلم على يد أي أستاذ ، ولم يقرأ كتابا ولم يكتب ورقة ـ فيأتي بكتاب عظيم عظمة عالم الوجود ، بمحتوى عال جدا ... فهنا يمكن معرفة أن هذا الكتاب ليس من نسج فكره وعقله ، بل هو وحي السماء وتعليم إلهي ، ويدرك هذا بصورة جيدة!.
كما أنّ هناك تأكيدا على أمية النّبي صلىاللهعليهوآله في آيات القرآن الأخرى ، وكما أشرنا آنفا في الآية (١٥٧) من سورة الأعراف إلى أن هناك ثلاثة تفاسير لمعنى «الأميّ» ، وأوضحها وأحسنها هو أنّه من لا يقرأ ولا يكتب.
ولم يكن في محيط الحجاز وبيئته ـ أساسا ـ درس ليقرأ النّبي صلىاللهعليهوآله ، ولا معلم ليحضر عنده ويستفيد منه ، وقلنا : إنّ عدد المثقفين الذين كانوا يقرءون ويكتبون في مكّة لم يتجاوز سبعة عشر نفرا فحسب ، ويقال أن من النساء كانت امرأة واحدة تجيد القراءة والكتابة (١).
وطبيعي في مثل هذا المحيط الذي تندر فيه أدنى مرحلة للعلم وهي القراءة والكتابة ، لا يوجد شخص يعرف القراءة والكتابة ولا يعرف عنه الناس شيئا ... وإذا ظهر مدع وقال ـ بضرس قاطع ـ إنّني لم أقرأ ولم أكتب ، لم ينكر عليه أحد
__________________
(١) فتوح البلدان للبلاذري طبع مصر ، ص ٤٥٩.