كما كان قارون يقول : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ..) في حين أن عباد الله وخاصّته كلما نالوا شيئا قالوا : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ..)
الطريف أن سليمان عليهالسلام لم يقل هذا الكلام عند ما شاهد عرش ملكة سبأ عنده فحسب ، بل أضاف قائلا : (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ).
وقرأنا في هذه السورة ـ من قبل ـ أن سليمان عليهالسلام كان يرى جميع النعم التي يتمتع بها من نعم الله عليه ، وكان يدعو ربّه خاضعا فيقول : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ)!
أجل .. هذا هو معيار معرفة الموحدين المخلصين من عبدة الدنيا المغرورين .. وهذه سيرة الرجال العظماء في قبال غيرهم من الأنانيين!.
وبالرغم من أنّه اعتيد كتابة هذه العبارة المهمة (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) من قبل المتظاهرين بالشكر على أبواب قصورهم «الطاغوتية» دون أن يعتقدوا بذلك أو يكون أدنى أثر من هذه العبارة في عملهم .. إلّا أن المهم هو أن تكتب على الباب وعلى جبين حياة الإنسان وفي قبله ... أيضا ، وأن يكشف عمله أن كل ذلك من فضل الله .. وأن يشكره عليه ، لا شكرا باللسان فحسب ، بل شكرا مقرونا بالعمل وفي جميع وجوده (١).
٥ ـ كيف أحضر «آصف» عرش الملكة؟!
لم يكن هذا (الأمر) أوّل خارق للعادة نراه في قصّة سليمان عليهالسلام ، أو في حياة الأنبياء بشكل عام .. وعلى من يحمل هذه التعبيرات على الكناية والمجاز ، ولا يؤخذ بظاهرها ، أن يبينوا موقفهم من معاجز الأنبياء.
ترى هل يرون الأعمال الخارقة للعادة للأنبياء وخلفائهم محالا ، وينكرونها
__________________
(١) كان لنا بحث مفصّل في أهميّة الشكر ، وتأثيره على زيادة النعمة ، وأقسام الشكر «التكويني والتشريعي» في ذيل الآية السابقة من سورة إبراهيم.