التّفسير
لا بدّ من الهجرة :
حيث أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن مواقف المشركين المختلفة من الإسلام والمسلمين ، ففي الآيات محل البحث يقع الكلام عن حال المسلمين ومسئولياتهم قبال المشاكل المختلفة ، أي مشاكل أذى الكفار وضغوطهم وقلّة عدد المسلمين وما إلى ذلك ، فتقول الآية الأولى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ).
وبديهي أنّ هذا ليس قانونا خاصا بمؤمني أهل مكّة ، ولا يحدد سبب النّزول مفهوم الآية الواسع المنسجم مع الآيات الأخرى ... فعلى هذا لو سلب الإنسان حريته في أي عصر أو زمان ومكان بشكل كامل ، فإنّ بقاءه هناك لا يجلب عليه إلّا الذل «والخسران والضرر» والابتعاد عن أداء المناسك الإلهية ، فوظيفة الإنسان المسلم عندئذ الهجرة إلى منطقة «حرّة» يستطيع أن يؤدي فيها وظائفه الإسلامية بحرية تامّة أو حرية نسبية.
وبتعبير آخر : إنّ الهدف من خلق الإنسان أن يكون عبدا لله ، عبودية هي في الواقع سبب للحرية والكرامة والإنتصار في جميع الجهات ... وجملة (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) إشارة إلى هذا المعنى ، كما ورد هذا التعبير في الآية (٥٦) من سورة الذاريات (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
فمتى ما أصبح هذا الهدف الأساسي والنهائي مستحيلا ، فلا سبيل عندئذ إلّا الهجرة ، فأرض الله واسعة ، وينبغي أن يهاجر الفرد نحو منطقة أخرى ، ولا يكون أسيرا لمفاهيم «القبلية والقومية والوطنية والبيت والأهل» في مثل هذه الموارد ، ولا يذل الإنسان نفسه من أجلها ، فإنّ احترام هذه الأمور هو فيما لو كان الهدف الأصلي قائما غير مخاطر به ، أمّا إذا أصبح الهدف الأصلي «عبادة الله» مخاطرا به فلا سبيل إلّا الهجرة!