أصابع ، وإنّ له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا رُكب من ثقله ! » (١) وفي رواية اُخرى لهذا الخبر « وما يفضل منه إلّا أربع أصابع » ! واعتقد الحشوية والسلفية بهذه الراوية ليشاركوا بها المجسّمة (٢).
والفريقان يتّفقان على امتناع التأويل ولزوم الأخذ بالمعنى المستفاد من الظاهر ، وهم لأجل ذلك أنكروا وجود المجاز في اللغة العربية ، وجعلوا هذه الألفاظ كلّها على الحقيقة ! وهذا كلام غريب جداً على لغة العرب ، دعت إليه العصبية المذهبية ! وعلى هذا تعاملوا مع المتشابه كتعاملهم مع المحكم ! يقول ابن الجوزي : إعلم أنّ عموم المحدّثين حملوا ظاهر ما تعلّق من صفات الباري سبحانه على مقتضى الحِسّ ، فشبَّهوا ، لأنّهم لم يخالطوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى المحكم.. فوجود المتشابه في القرآن والسنّة أمر مسلّم (٣).
وهذه الطائفة اتُهمت بالمشابهة باليهود ، وبالقرّائين منهم خاصّة ، إذ وقف هؤلاء على ظواهر تفيد التجسيم في التوراة ! (٤) ولقد استدل ابن تيمية لهذه العقيدة بنصوص من الإنجيل أيضاً ! (٥)
لكنّ هذا أيضاً لا يدلّ على الاقتباس المباشر ، وإنّما يدلّ على أنّه قد وقع في اُمّة الإسلام كالذي وقع في الاُمم السابقة لا سيمّا اليهود والنصارى... وإنّما يأتي دليل التأثّر من ملاحظة اهتمام بعض أصحاب تلك الديانات الذين دخلوا في
_____________
(١) تفسر الطبري ٣ : ١٠ آية الكرسي ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ١٩٨٨ م.
(٢) اُنظر : منهاج السنّة ١ : ٢٦٠ ـ ٢٦١.
(٣) تلبيس إبليس : ١٣٤.
(٤) الملل والنحل ١ : ٨٤ ، ٩٧.
(٥) اُنظر : مجموع الفتاوى ٥ : ٤٠٦.