بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنّه لا شريك له ، وليس كمثله شيء ، وذلك قد أثبتناه يقيناً (١). وعدّ الشهرستاني من هؤلاء : مالك بن أنس ، إذ قال : الاستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة. كما عدّ منهم : أحمد بن حنبل وسفيان الثوري وداود بن علي (الظاهري) (٢). والأصحّ أنّ كلام هؤلاء أقرب إلى الفرقة الثانية من الطائفة الاُولى ؛ الحشوية وأصحاب الحديث الذين تقدّم التعريف بهم آنفاً ، فهو ، إجراء على الظاهر دون تكييف ، لكن هذا الفريق من الحشوية وأصحاب الحديث و « السلفية » قد تقدّم على اُولئك في التفسير والبيان ولم يلتزم وقولهم : « السؤال عنه بدعة » فتورّط في التشبيه. وإلى هذا أشار الشهرستاني نفسه (٣).
الفريق الثاني : قطعوا أيضاً بأنّ المراد لا يمكن أن يكون صفات خارجية ، ثمّ ذهبوا إلى ضرورة تأويل ما يتعلّق بالصفات إلى المعاني اللائقة بجلاله تعالى والموافقة لما قطع به العقل وثبت به التنزيل المحكم من أنّه تعالى شأنه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (٤) و ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ) (٥) فهذه نصوص محكمة ليس فيها من التشابه شيء ، وقد قطع العقل بمعانيها ، فلا بدّ من ردّ المتشابهات إليها.
فهم لأجل ذلك اعتمدوا المجاز في اللغة وأحالوا إليه كلّ ما يتعلّق بالصفات من المتشابه الذي لا يستقيم ظاهره مع تلك المحكمات التي قطع بها العقل أيضاً.
_____________
(١) اُنظر : الملل والنحل ١ : ٨٤ ( الصفاتية ).
(٢) الملل والنحل ١ : ٨٥ ، ٩٥.
(٣) الملل والنحل : ٨٤.
(٤) سورة الشورى : ٤٢ / ١١.
(٥) سورة الأنعام : ٦ / ١٠٣.