وعلى هذا المبدأ : جمهور « أهل السنّة والجماعة » أتباع الأشعري ، والمعتزلة ، وأتباع أهل البيت عليهمالسلام « الشيعة » ، غير أنّ الجماعات الثلاث اختلفت في ما بينها في مدى اعتماد التأويل ، على ثلاث مراتب :
فكان الأشاعرة أقلّهم رجوعاً إلى التأويل ، لما اعتمدوه من الأخبار الواردة في الصفات ، فكأنّهم أجروا التأويل على القرآن دون الحديث ! فما ورد فيه الحديث تمسّكوا بظاهره غالباً ، فجوّزوا رؤية العباد ربَّهم جلّ شأنه يوم القيامة ، رجوعاً إلى أخبار عندهم ، فلم يؤوّلوا قوله تعالى : ( إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (١).
أمّا الآيات التي فيها الوجه والأيدي والأعضاء فقد أوّلوها باعتماد المجاز ، ولم يجروها على ظواهرها المؤدّية إلى التشبيه (٢) ، ووافقوا فيها الجماعتين الاُخريين.
ـ أمّا المعتزلة فكانوا على خلاف الأشاعرة ، إذ أطلقوا العنان للتأويل ، اعتماداً على : الدور الذي منحوه للعقل ، ومنهجهم في الحديث الذي يقتصر على قبول المتواتر فقط ، فيما اعتمد الأشاعرة أحاديث الآحاد التي لم ترد إلّا من طرق رجالها متّهمون غالباً عند المعتزلة على الأقلّ..
يقول البغدادي (من الأشاعرة) في الطعن على أبي الهذيل العلّاف (من أئمّة المعتزلة) : ومن فضائحه ! قوله إنّ الحجّة من طريق الأخبار في ما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهمالسلام وفي ما سواها لا تثبت بأقلّ من عشرين نفساً فيهم واحد من أهل الجنّة ، أو أكثر.. ولم يوجب بأخبار الكَفَرة والفَسَقة حجّة
_____________
(١) سورة القيامة : ٧٥ / ٢٣.
(٢) الفرق بين الفِرق : ٩٠ ، واُنظر هذه المواضع في سائر تفاسيرهم ، كتفسير الطبري والبغوي ، والماوردي ، والرازي ، وأبي حيّان وغيرهم.