وإن بلغوا عدد التواتر الذي لا يمكن معه تواطؤهم على الكذب ، إذا لم يكن فيهم واحد من أهل الجنّة.. وزعم أنّ خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكماً.. ومن فوق الأربعة إلى العشرين قد يصحّ وقوع العلم بخبرهم ، وقد لا يقع العلم بخبرهم (١).
ومن هذا يظهر أنّ القسم الأعظم من الأحاديث التي تتعلّق بهذا الباب ويعتمدها الأشاعرة فيتوقّفون عن التأويل بسببها ، هي عند المعتزلة ساقطة الاعتبار ، مما وسّع من دائرة التأويل عندهم.
ولقد نُسب ، إلى بعض المعتزلة في هذا الباب ما لا يمكن تصديقه ، كالذي نسبه الذهبي إلى عمرو بن عبيد من أنّه عُرض عليه حديث للنبي صلىاللهعليهوآله فقال : لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذّبته ، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدقته ، ولو سمعت ابن مسعود يقوله ما قبلته ، ولو سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول هذا لرددته ! ولو سمعتُ الله يقول هذا ، لقلتُ : ليس على هذا أخذت ميثاقنا (٢). والذهبي قد روى في عمرو بن عبيد حتّى الأشياء التافهة من أطياف الحانقين على عمرو بن عبيد وتعليقاتهم.. وحتّى لو صحّ عنه ما تقدّم فغلطه الفاحش إنّما هو في ما وجّهه إلى الرسول وإلى الله تعالى ، وكان الصواب أن يقول إنّ مثل هذا لا يصحّ عن رسول الله البتة.. ونحن لا ندري ما هو هذا الحديث الذي عُرض عليه ، ولعلّ الذهبي نفسه قد استحيا من ذكره ، لعلّه من أحاديث المجسّمة أو موضوعات الجبرية المكذوبة على الرسول صلىاللهعليهوآله !
ومهما كان فالمعتزلة قدّموا العقل على الحديث ، بخلاف الأشاعرة ، وجعل
_____________
(١) الفرق بين الفِرق : ٩٠.
(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٢٧٨.