وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ) (١) ! وهذه الأسماء (ودٌّ) و (يغوث) و (سواع) و (يعوق) و (نَسْر) إنّما هي أسماء عباد صالحين كانوا قبلهم بأجيال فكانوا يعظّمونهم ، ويزداد التعظيم جيلاً بعد جيل حتى بلغ الأمر أن اتخذوا لهم تماثيل بأسمائهم ليعبدوها ! (٢).
وظهر الغلوّ عند أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية ، وبلغ بالنصارى أن ألَّهوا عيسي بن مريم عليهالسلام ، قالوا : ابن الله ! وقالوا : ثالث ثلاثة ! كلّ ذلك من فرط حبٍّ معه جهالة ، ونزعة وثنية في اتّخاذ الوسائط إلى الله تعالى والتوجّه إليها بالعبادة ولو عن طريق مجاوزة الحدّ في تعظيمها وإضفاء الصفات الإلهية عليها ، من قبيل الخالقية والرازقية والإحاطة علماً وقدرةً ، فقالت النصارى إنّ المسيح يصنع المعجزات بقدرته الذاتيه وليس بإذن الله !
وجاء الإسلام فكان أكثر دقّةً في تشخيص الغلو وسدّ الأبواب دونه ، فكان القرآن يخاطب الأنبياء مخاطبة العبيد الفقراء الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً ، ويعاتبهم وينذرهم إنذار من لم يكن له مع الله عهد ، كلّ ذلك ليصرف أفئدة المؤمنين وأرواحهم من مسالك الغلوّ.. فيتلو علينا نبأ آدم عليهالسلام ، فيقول : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) ! (٣).
_____________
(١) سورة نوح : ٧١ / ٢٣.
(٢) اُنظر : تفسير القمّي ٢ : ٣٨٧ ، وتفسير الطبري م ١٤ ج ٢٩ : ٩٨ ـ ٩٩ ، وتفسير الزمخشري ٤ : ٦١٩ ، ومجمع البيان ١٠ : ٥٤٧ ، تفسير البغوي ٤ : ٣٩٩ ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ١٤٠٥ هـ ، وتفسير البرهان / البحراني ٤ : ٣٨٨ ـ مؤسسة البعثة ـ قم ـ ١٤١٦ هـ ، وغيرها.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ١١٥.