قد يستقل عامل واحد في تكوين فرقة ، كما قد يشترك عاملان أو أكثر في تكوينها.
وقد وقفنا من خلال الفصل المتقدّم على نتائج جديدة كشفت أنّ المشهور والمتسالم الذي تتداوله الكتب ويردّده الناس غالباً ما يكون وجهة نظر منحازة توفّرت لأصحابها القدرة على بثّها وكأنّها الحقيقة الواحدة ، فكشفت بالتالي عن تصوّر مقلوب لحقائق التاريخ قد غزا أذهان الناس وصاغ بحسب اتّجاهه رؤية مقلوبة للعقيدة والتاريخ.. وسوف نقف على نتائج مماثلة في غير موضع من الفصول الآتية في الفرق الرئيسية ذات الأثر الهام في التاريخ الفكري والسياسي لهذه الاُمّة.. لا سيمّا في بيان أثر الواقع التاريخي للخلافة ونظام الغلبة في نشأة الفرق والمذاهب في الإسلام كما سيتّضح من هذا الفصل.
فكيف كان الواقع التاريخي للخلافة سبباً في نشأة المذاهب ، وكيف ترك أثره في تحديد معالمها ؟
لا ريب أنّ الواقع التاريخي
هو الذي أفرز مبدأ « سنّة الشيخين » مرجعاً تشريعياً بعد الكتاب والسنّة ، ذلك المبدأ الذي وضِعتْ بذرته الاُولى يوم أثبت الشيخان قدرتهما في السقيفة بعد نزاع ، وأفلحا في سَوق الناس إلى البيعة ، فتابع الواجمُ الذاهلُ ، وألقى المعارض بيديه ، عَقَبَ ذلك إدارةُ قويّة تميّزت بالحزم في
اتخاذ القرار وفي إنفاذه ، ماليّاً كان أو اجتماعياً أو عسكرياً أو دينيّاً ، ولا بدّ
أن يصحب ذلك كلّه وجود صنف من الناس جُبِلوا على طاعة القويّ الحازم الذي يمتلك زمام المبادرة ، وربّما شدّتهم إليه مصلحة أو رأي ، ممّا يزيد الحاكم سؤدداً
، وقرارَه هيبةً ونفوذاً حتّى لا يحول دونه حائل ، فترى مبكّراً جدّاً رجالاً من ذلك
الصنف يهاجمون آل الرسول ونفراً من مقدّمي أصحابه أووا إليهم ، لا يوقفهم