أسرفوا في دماء الصالحين الذين يأمرون بالقسط ، وبعد ما زوّروا في معالم الدين وبدّلوا في أحكامه ، ممّا عجز عبد الله بن اُبَيّ عن يسير منه !
ومع كلّ هذه « التعديلات الدستورية » التي اُجريت لصالح « اُولي الأمر » فإنّ الواجب الملقى على عاتق الأُمّة قد اُبقي على حاله ، فما زالت الاُمّة ملزمةً بطاعة « اُولي الأمر » ومسالمة من سالمهم ومحاربة من حاربهم ، تماماً كما لو كان وليّ الأمر قد جاء باختيارٍ من الله ومن رسوله أو من الاُمّة بإجماعٍ تامٍّ صحيح ، وقد توفّر على جميع تلك الخصائص المعروفة من العدل والعلم والصلاح !
فلم يعد في ظلّ هذا الفقه حفظ الدين وإقامه حدوده هو الغاية ، ولا حفظ الاُمّة وتوفير حقّها في الأمن والمساواة وأسباب الهداية والمعرفة كذلك.. بل أصبحت الغاية الوحيدة هي حفظ العرش لشخص الحاكم الذي اعتلاه وأمسك بالسيف من فوقه ، وليس مهمّ بأي طريقة اعتلاه ، إنّما على هذا الدين أن يوفّر له شرعيّته ويحرّم مخالفته ، ثمّ يطاوعه كيف يشاء.. وعلى الاُمّة كذلك أن تعلم أنّ كلّ وجودها إنّما هو لحفظ سلامة العرش لصاحبه مادام حيّاً !!
ـ وهذا هو الأصل في أوّل افتراق وقع في الاُمّة بعد غياب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد تمدّد مع الزمن ليكتسب كلّ مقوّمات الفرقة الواقعية ، سياسيّاً وفكرياً وعقيديّاً وفقهيّاً ، حين انحصرت مصادره بالأبواب التي فتحها الاُمراء أو أذِنوا بها ، وأدار ظهره لغيرها ممّا حاربه الاُمراء وحظروه ، فصار ما ترشّح عن المصادر المأذونة هو الدين والعقيدة والثقافة ، فلا شك بعد ذلك أن يرون ما خالفه بدعاً في الدين منكراً !!
ـ ومن هذا الأصل ذاته اكتسبت هذه الفرقة في ما بعد اسمها الذي تميّزت به « أهل السنّة والجماعة ».