ان نصر الله لا يأتي دائما على هيئة صيحات وزلازل ، بل يجري قسم منه على يد المؤمنين ، أو لم يكن الرب الذي أمر السماء والأرض ان تتفجر طوفانا هائلا في لحظات بقادر على ان يخلق لنوح سفينة ، ثم يأمره بالصعود؟ بلى. ولكنه أراد ان يشارك هو في نجاة نفسه ومن آمن معه.
وفي الأحاديث انه بعد ان دعا نوح ربه جاءه جبرائيل بنواة تمر ، وقال له : نجاتك في هذه ، ازرعها ، فزرعها حتى صارت نخلا ، وبعد ثلاثين سنة أمره ان يأكل الثمر ويزرع النوى ، وهكذا مرة ثانية ، ثم أمره ان يقطع جذوع النخل ويصنع السفينة ، وعند ما بدأ بصنعها كان الله يرعاه بعلمه ، وقدرته ، وكان قومه يستهزءون به عند ما يمرون عليه ، لأنه كان يصنع السفينة في بلاد لا بحر فيها.
فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا
نحن قريبون منك ننظر إليك ، ونساعدك.
وأما قولنا : تحت عين الله فيعني تحت رعايته وظله ، أما الوحي : فاشارة الى العلم والمعرفة التي زود الله بها نوحا (ع).
فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ
روي في نور الثقلين «انه قيل لنوح : إذا رأيت الماء يفور من التنور ، فاركب أنت ومن معك في السفينة ، فلما نبع الماء أخبرته امرأته فركب». (١)
ولعل التنور كان يوضع في مكان مرتفع ، فاذا فار ماء دل على أن أمرا خارقا للقوانين الطبيعية قد وقع ، ولذلك جعل ذلك علامة لنوح (ع) ببدء الطوفان.
فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ
__________________
(١) ج ٣ ص ٥٤٣.