والمشكلة ان الإنسان الذي يغمره احساس ساذج بالايمان الصادق لا يكتشف خطأ ادعائه الا بعد فوات الأوان. حيث ينقله الموت من دار البلاء والعمل ، الى دار الحساب والجزاء ، فلا يستطيع ان يغيّر من أمره شيئا.
اذن لا بد ان نضع مقاييسنا الذاتية جانبا ، ونبحث عن الموازين الحق الالهية لتكون حجة بيننا وبين الله سبحانه ، عند الحساب والجزاء. لا لكي نقنع الآخرين باننا مؤمنون ، لأنهم يقتنعون منا ، بما يقتنعون من أنفسهم من ممارسة الشعائر الظاهرة ، ثم ماذا تجدي الإنسان قناعة الناس سوى بعض المصالح المحدودة في الدنيا؟ ولعله يظهر على حقيقته يوما عند الناس أيضا ان المهم هو ان يكون الله راضيا عنا.
وفي هذه الآية يضع القرآن الحكيم المقياس الاجتماعي الذي يميز المنافق عن المؤمن ، وهو مقياس الوحدة الايمانية ، فلو ادعى جماعة انهم مؤمنون ، ثم تفرقوا أحزابا وشيعا. انطلاقا من أهوائهم ومصالحهم ، فان ادعاء هم سيكون باطلا وسخيفا ، لان المؤمنين تجمعهم كلمة واحدة هي كلمة التوحيد ، وان التقوى هي محور نشاطهم ، وصبغة أعمالهم وحياتهم.
وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ
[٥٣] فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً
لكي نعرف المؤمنين ، لا بد ان نعرف المنافقين الذين يتناقضون معهم ، فبينما يتجه المؤمنون للوحدة على أساس القيم والقيادة الرسالية. نرى هؤلاء في سعي حثيث للنيل من الوحدة بتمام معنى الكلمة ، وكلمة «فتقطعوا» مبالغة في التقطيع ، فهؤلاء يسيرون في نفق التقسيم ، والفرقة. بحيث تنقسم كل جماعة على نفسها باستمرار.