الثالث : لو كانت الرسالة حقّا ، لكشف الله بها الضرّ ، ولكن مقدارا من الضر يحافظ على توازن البشر الذي يطغى لو كشف الله عنه ضره ، وبالرغم من العذاب الذي أخذهم الله به تراهم لا يسلّمون لربهم ، ولا يتضرعون اليه. حتى ينزل عليهم عذابا شديدا ، فإذا بهم في ورطة وإبلاس.
بعد تطهير القلب من هذه الوساوس ، يذكرنا الرب بنعمه التي لا تحصى. أوليس قد أنشأ لنا السمع ، والأبصار ، والأفئدة. أفلا نشكره؟!
وهو الذي جعل البشر يتناسل في الأرض ، وبعد الموت يحشر من جديد ، وبيده الحياة والموت ، وتدبير الليل والنهار ، أفلا يكفي ذلك حجة لو انتفعنا بعقولنا؟!
كلّا .. إنهم يقولون ـ كما قال آباؤهم الضالون ـ كيف يبعث الله من يموت ويصبح ترابا وعظاما؟! انها أساطير الأولين. حيث قد وعدوا كما وعدنا نحن أيضا بذلك!
هكذا أصبح إنكارهم للبعث سببا لجحودهم برسالات الله ، وهكذا الإنكار ـ بدوره ـ نشأ من حالة الجهل ، واستبعاد حياة الإنسان من بعد الموت. وكلمة أخيرة : اننا نجد السياق ينتقل من الحديث عن العقبات في طريق الايمان ، وكيفية التغلب عليها ، إلى الحديث عن آيات الله التي تهدينا اليه ، وهذه هي الطريقة القرآنية في توجيه الإنسان الى ربه ، وهي تختلف عن الطرق البشرية ، فالطريقة القرآنية تعتمد على مرتكزات من بينها وأهمها الأسلوب الوجداني ، فالإنسان خلق على فطرة الايمان ، والله هو أجلى وأظهر حقيقة في هذا الكون ، وفطرة الإنسان تدعوه إلى الله :
«فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ».