والمجتمع هو نفس النور في حياة الإنسان التشريعية ـ وهو نفس النور في الحياة التكوينية ، فلو أمسك الله تعالى فيض نوره عن السماوات والأرض لانعدمتا في أقل من لحظة ، كذلك لو أمسك فيض نور رسالته عن البشر في حياتهم التشريعية والاجتماعية لساد الظلم والظلام.
لذا فان نور الله في التشريع كمصباح في مشكاة (والمشكاة حفرة شق في الجدار يضعون المصباح فيها بعد ان يحيطوه بزجاجة تزيد من اضائته) ووظيفة المشكاة هي العمل على تركيز النور ، وأفضل الزيوت التي كانت تستخدم للاضائة في ذلك الوقت هو زيت الزيتون الذي يزرع فوق الجبال ، فلا يظلها يسار الجبل عن الشمس حين الشروق ، ولا يمينه حين الغروب ، فهي لا شرقية ولا غربية ، وكلما كان الزيت أصفى كان ضوؤه أبهى .. وكم تكون الاضاءة نيّرة حينما يكون وقودها زيت الزيتون ، ويكون المصباح في مشكاة عبر زجاجة؟!
كذلك نور الله الذي يهبط وحيا فيستقر في قلب الرسول (ص) الزكي ، الطاهر كما المصباح يشع نورا من زيت نقي ، ورسول الله يحيط هذا المصباح بزجاجة السنة الشريفة ، ليضع الجميع في اطار أهل بيته الطاهرين ـ عليهم الصلاة والسّلام ـ الذين هم أشبه شيء بمشكاة نظيفة تحفظ النور وتنمّيه نورا على نور.
ان بيوتهم التي أذن الله ان ترفع ، كانت مشكاة للرسالة لأنها ضمّت ذكر الله ، المنبعث من قلوب أولياء الله ، المتّقد بوقود مبارك هو الصلاة والزكاة وخشية المنقلب ، وهذا البيت هو المثل الأعلى للاسرة المباركة حيث يجري السياق في سورة النور لبيان صفاتها المثلى.
وهكذا نستوحي من هذه الآية ضرورة جعل نور الايمان في مشكاة الاسرة ، وذلك من أجل تربية النفس البشرية وتنمية العوامل الخيّرة فيها لتتضاعف خيراتها