فبالقرآن يعرف الحق من الباطل ، والخير من الشر ، ومن اهتدى به أوتي الفرقان ، وارتفع إلى درجة الولاية على الناس تشريعيا ، إذ يستخلفه الله على أرضه ، لا لميزة ذاتية ، بل لأنه يجسّد ـ أكثر من غيره ـ رسالة الله في سلوكه وتصرفاته ، كما أنه يسمو لمستوى الولاية التكوينية ، لأنه قد طبق بنود الرسالة على نفسه مما يعطيه القدرة على تسخير الأرض وما فيها.
وعند ما تبدأ آيات هذه السورة المباركة بكلمة «تبارك» والتي تعني التكامل في الحياة ، فلكي تشير الى حقيقة عظيمة تهم الإنسان كمسؤول عن حياته ومصيره ، فلو طمح يوما إلى التكامل ، فلا بد له من ادراك هذه الحقيقة ، وإلّا فانه سيظل عاجزا عن بلوغ الهدف الكبير.
تلك الحقيقة هي أن الإنسان لا يمتلك القدرة الذاتية على التكامل ، ولا سبيل له إلى ذلك الا بالارتباط بينبوع التكامل والبركة وهو رحمة الله ـ جل شأنه ـ عبر التمسك بحبله الممدود من السماء الى الأرض ، وهو القرآن ، حيث يسمو بالإنسان نحو مدارج الكمال ، ويفجّر طاقاته الخيّرة التي أودعها ربنا فيه.
لذا نجد هذه الكلمة تتكرر ثلاث مرات أو أكثر بعبارات مختلفة في هذه السورة ، التي يستوقف الإنسان سياقها في الآية الاولى ليبيّن ان الهدف الأساس من الوحي هو الإنذار لأن الإنسان أقرب الى دفع الشر عن نفسه منه عن جلب الخير ، فلو علم بعدوّ يريد اقتحام البيت تراه يتحرك استعدادا للدفاع بنشاط أكبر مما لو علم بوجود فرصة امامه للكسب ، ولربما كان هذا السبب الذي يجعل الإنذار يسبق التبشير.
القرآن رسالة الى العالمين :
وتشير الآية الكريمة الى أنّ القرآن ليس رسالة موجهة الى طائفة من بني البشر