دون أخرى ، انما هي رسالة مترامية الابعاد ، تسع البشرية كلّها ، فهي شاملة وعامة ، وهذه الميزة من أكبر الدلائل الواضحة على أنها وحي أرسله الله سبحانه ، وانها ليس من اصطناع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأن الإنسان لا يمكنه الوصول الى مستوى متقدم من التجرد عن الذات والمصلحة العنصرية والاقليمية وغيرها من الانتماءات المادية ، وانما يستطيع ذلك عند ما يتصل بمشكاة النور ، ويتنصّل من اي انتماء مادي ، ويرتبط بالله المهيمن على جميع الحدود والقيود والولاءات.
فكون القرآن حديثا للبشرية دليل على صدقه ، وانه مرسل من عند الله ، ثم إنّ من يضع المنهج للحياة ، ويفرضه على الإنسان لا بد أن يكون مطلّعا على شيئين : الإنسان والكون ، فلا بد ان يعرف طبيعة الإنسان ، ومكنوناته من الطاقات والتطلعات ، أما الكون فلا بد أن يكون مهيمنا عليه ، عارفا بسننه وانظمته ، ولا يتسنى هذا الأمر لغير الله ـ سبحانه ـ الذي أودع السنن والانظمة وقدرها تقديرا.
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً
لماذا اختار الله سبحانه كلمة «عبده»؟
يبدو لي أن الهدف من هذا التعبير أمران ، هما :
أولا : ان عظمة الرسول (ص) نابعة من عبوديته لربه ، وإخلاصه له سبحانه.
ثانيا : ان القرآن ليس من فكر الرسول ، ولا هو إفراز طبيعي يعلمه ، وكمال عقله ، أو دليل على اختلاف عنصره.
«الفرقان» كلمة مشتقة من فرق يفرق مفارقة ، وقد سمّي الذكر فرقانا لأنه