باء : لزعمهم : انّ الرسول ينبغي ان يكون غنيّا أو مقتدرا ، وقد نسف القرآن آنفا أساس هذه الفكرة القائمة على تقديس المادة.
جيم : لجهلهم بحكمة الخلق ، حيث زعموا : ان الله يريد هدايتهم حتما ، بينما الله شاء بحكمته البالغة ان يهديهم بطوع إرادتهم ، وليس بصورة حتمية ، وهكذا امتحنهم بالرسول الذي هو منهم ، وأمرهم بطاعته لينظر هل يصبرون.
وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ
ومنهج القرآن الكريم هو بيان الحكم عند بيان ما يناسبها ، ولذلك تتسع آياته لتشمل ما وراء حدود السياق.
وهكذا نجد انّ هذه الحكمة البالغة تذكر هنا بمناسبة الحديث عن الرسول لتبيّن لنا : أن طاعة الرسول ، والمخالفة لهوى النفس نوع من الفتنة بالنسبة الى الناس. ولكنّ الآية تعطينا أيضا بصيرة نافذة تكشف الكثير من اسرار الحياة. فالغني فتنة للفقير الذي قد يفكر في الكذب أو الغش والسرقة كي يصبح مثله غنيا ، وكذلك الغني فتنة للفقير ، فهو مبتلى به امام الله ، اما بالبخل والربا أو بالغرور والتكبر.
جاء رجل فقير الى رسول الله (ص) يوما ، وجلس على مقربة من رجل غني ـ كان قد سبقه الى مجلس الرسول ـ فتنحى الغني بعد ان لملم ثيابه بطريقة تنم عن الاحتقار ، فنظر الرسول اليه وقال : اخشيت ان ينتقل غناك اليه أم فقره إليك؟ فقام الغني وقد أدرك سوء عمله يقول : اخطأت يا رسول الله .. اخطأت .. ثم دار بوجهه الى ذلك الفقير وقال : اني أهب لك نصف مالي ، فقال الفقير : أتريدني ان أصبح غنيا فأصنع مثل ما صنعت؟ فأتكبر على الفقراء؟ احفظ عليك مالك فاني لا أريد غنى هذه نهايته.