وهذا الخيال يعكس التضارب القائم في ذلك المجتمع الاغريقي القديم ، فلأن وضعهم مليء بالصراع ، وعلاقاتهم مشحونة بالبغضاء ، تصوروا الله كذلك يشاركهم في المزاج والشعور (تعالى الله عما يصفون).
وهكذا كان يصنع المجتمع العربي قبل الإسلام فكل حزب بما لديهم فرحون ، لذا
جاء في الحديث المروي عن الامام الصادق (ع) :
«لو ان النملة تصورت ربها لتصورت له قرنين»
فما دامت القضية لا تتجاوز التصور ، فان النملة تمتلك القدرة على تصور الرب ، ولكن من واقعها وشعورها.
وقد وقع بعض البسطاء من المسلمين في ذات الخطأ ، فقالوا : ان الله شخص عنده لحية بيضاء طويلة ، ويركب الحمار لينزل الى الأرض في ليالي الجمع ، فكان بعضهم يضع حزمة علف على سطح بيته في كل ليلة جمعة ، حتى يأكل ما فيها حمار الله ، (سبحانه وتعالى عن الأمثال).
وسبب هذه التخيلات خضوع الإنسان لخياله المحدود عند تصور الله ، فيتصوره تارة من واقعة وطبيعته كإنسان فيحسبه كذلك ، أو من واقع المجتمع وطبيعته تارة أخرى ، فينعكس الوضع الاجتماعي على تصوره لله أيضا ، فلأن علاقة المجتمع الجاهلي بالتجمع الايماني مادية فهي صلفة ، فإنهم لم يكن بمقدورهم تصور الرحمة صفة من صفات الله ، فلا عجب ان يرفضوا أمر الرسول لهم بالسجود للرحمن. فقالوا : «وما الرحمن»؟
فهذا اسم جديد على واقعهم ليس بعيدا أن يستغربوا منه ، فواقعهم مشبع بالخوف والإرهاب وما الى ذلك من الصفات المشينة.