٣ ـ قيام الليل :
[٦٤] وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً
قليل هم الذين يحيون ليلهم بالعبادة ، مكثرين من الصلاة والدعاء تضرعا لله وخوفا منه. والناس في نوم عميق ، والكثير من الناس من يطمح في الوصول الى مستوى عباد الرحمن ، ولكن لا يستطيع فلما ذا؟
لأن هذا القسم من الناس يريدون إجبار أنفسهم على الفضائل وهي لا تأتي بالإكراه ، وانما بصياغة الشخصية ، فاذا لم تنعكس آيات الرحمن على سلوك الإنسان ، فلا ينمي نفسه بالسجود له ليلا لأنه سيرى نفسه عاجزا أمام هجوم النوم ، أما عند ما تتجلى آيات الرحمن أمام ناظريه ، وتنعكس على سلوكه فتصوغ شخصيته ، آنئذ لا يستطيع النوم ليلا بل تتجافى جنوبهم عن المضاجع.
ففي وقت متأخر من احدى ليالي صيف مضى ، كنت نائما على سطح المنزل مستلقيا على فراشي ولما يستول عليّ النوم بعد.
وكان صاحبي على مقربة مني وعيناه تحملقان في آفاق السماء ، وكأنه أدرك عن طريق النجوم قرب الفجر فرأيته ـ كمن لدغته حية ـ يقفز من فراشه قفزا ، ويتوضأ بسرعة ليقف يصلي ، وهكذا هم عباد الرحمن.
فالأصل في كل فضيلة معرفة الله وإصلاح النفس ، فمن لا يعرف الله ، ومن ثم لا يصلح نفسه لا يحصل من الفضائل الاخرى على شيء ، إذ ليست المسألة مسألة تكلف بقدر ما هي سجية لقلب الإنسان.