ولكي يمرر الجاهليون ظلمهم وتسلطهم وافسادهم في الحرم تراهم يحرفون الكلم عن مواضعه وهذه هي مشكلة الإنسان الرئيسية. حيث ان أصحاب السلطة قادرون على تحريف المناهج التي وضعت لانقاذه منهم ، بحيث لا تنفع أو تكون اداة لتسلطهم عليه من جديد. ويبدو ان الآية هنا تحذر من هذه الحالة لكي لا يتحول المسجد الحرام الى مكان للظلم والإلحاد باسم جديد!
[٢٦] وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً
لقد حدّد الله سبحانه وتعالى مكان البيت الحرام ، لإبراهيم عليه السّلام لكي يرفع قواعده عالية شامخة ، ولهدف معين هو : ان يكون البيت القاعدة الرئيسية لنسف فكرة الشرك اولا. ولاقامة منهج التوحيد الصحيح ثانيا. والواقع ان الكعبة المشرفة كانت موجودة من قبل إبراهيم (ع) ولكنها مع مرور الزمان ، اندرست أثارها ، ولم يبق لها رسم يدل عليها ، ولم يكن إبراهيم (ع) ليعلم حدود البيت. كما انه لم يكن باستطاعته ان يختار بيتا حسب رأيه الخاص ، لان هذا الأمر يختص بالخالق العظيم ، جل شأنه ـ الذي له الأمر والخلق .. فحدد الله مكانها له ثم أمره قائلا :
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
أي طهر بيتي من الأدران المادية والارجاس الوثنية. وقد ذكرت هذه الآية الحالات الأربع للعبادة عند المسجد الحرام ، وهي : الطواف والقيام .. (الاقامة أو الدعاء والذكر) والركوع والسجود وهما يرمزان الى الصلاة ويعبران عن الكثرة ، وهذه العبادات ترمز الى التوجه الخالص لله ، والخضوع له والتسليم لأمره ، واتخاذ شريعته محورا للحياة.