والسعي والنصب ، وتزرع في قلبه التقوى ، ومن ثمّ تدفعه نحو تنفيذ الحق بعزم راسخ. إنّها القوّة المحرّكة التي تدفعه نحو التطبيق المستمر والمتقن لمناهج الوحي ، وبما أنّ الخوف من القوى الأخرى ، والغرور بالذّات وبالعمل ، وحبّ الراحة ، وضغط الشهوة ، وما أشبه ، كلّها قيود تكبّل الإنسان عن السعي والتسليم لله ، فإنّ خشية الله تحرّر الإنسان من كلّ تلك القيود.
وربما تقابل كلمة المشفقين في هذه الآية كلمة المسرور التي جاءت في قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً* وَيَصْلى سَعِيراً* إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (١) والتي تعني الفرح والاختيال ، والله لا يحبّ المختال ولا الفرح ، ذلك أنّ هذا النوع من السرور (عدم الجد والمبالاة) يضلّ سعي الإنسان أو يعطّله تماما عن الكدح إلى ربّه ، بل ويدفعه نحو أهداف تافهة أو فاسدة.
[٢٧] وإشفاق المتقين ليس لأنّهم لا يعملون بطاعة الله ، وإنّما لايمانهم الراسخ بأنّ العمل وحده لا يدخلهم الجنة ، ولا يخلّصهم من العذاب ، إلّا بفضل الله ، وتتأكّد لهم هذه الحقيقة عند الحساب ، وحينما يصيرون إلى النعيم.
(فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا)
فأدخلنا الجنة.
(وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ)
وهو الحرّ الشديد الذي يلفح الوجوه في النار.
[٢٨] وما كان المتقون يغفلون دور الدعاء الذي يزكّي نفوسهم ، ويرفع
__________________
(١) الإنشقاق / (١٠ ـ ١٣).