فيما لا يعلم ، وقد تحدّث هؤلاء عن طبيعة الملائكة وذلك جزء من الغيب المحجوب عن علم البشر بشهادة وجدانه. أو ليس الإنسان ينفذ عقله إلى معرفة الأشياء عبر حواسه؟ أو ليس لكلّ علم أداته ووسيلته ، فما هي الحاسة التي نعلم بها غيب السموات والأرض ، وما هي الأداة التي نعرف بها طبيعة الملائكة ، وأنّهم إناث لا ذكور؟!
إنّها مشكلة البشر. إنّه يهوى شيئا فيتمنّاه ، ثم يظن أنّه واقع فيسعى وراء ظنّه خادعا نفسه.
[٢٩] وإنّما اتبع هؤلاء الظن لأنّهم اختاروا الدنيا على الآخرة ، فاكتفوا بالظن بدل العلم والحق ، وبالتمنّي بدل السعي ، وكلّ ذلك لأنّهم لم يعترفوا بالمسؤولية ، ولم يبتغوا مرضاة الربّ ، ولو آمنوا بالآخرة ، وظنوا أنّهم ماثلون أمام ربّهم للحساب غدا عن كلّ صغيرة وكبيرة ، إذا عرفوا أنّ الطريق إلى الحق هو العلم وليس الظن ، ولكنّهم آمنوا بالدنيا فقط ، والدنيا هي حياة اللامسؤولية ، وعلى الداعية الرسالي أن لا يبخع نفسه عليهم ، بل يتركهم وشأنهم.
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا)
لأنّ مشكلة هذا النوع من البشر ليس عدم قناعته بالحق ، فهو يعلم بأنّه الهدى والصواب ، ولكنّه يتولّى عنه ابتغاء الدنيا ، وإنّما أمر الله بالإعراض عنهم لكي لا يتأثّر المؤمن بهم سلبيّا ، فيغيّر من رسالته صوب الدنيا ، تنازلا عن بعض أهدافها ، أو من أجل إقناعهم باتباعها ، ثم أنّه لا ينبغي للمؤمن أن يبدّد جهوده الغالية فيما لا يرجو نفعا منه ، بل فيما يخدم الرسالة ، ويقدّم المؤمنين خطوة إلى الإنتصار.
وقد قال تعالى : «عَنْ ذِكْرِنا» وهي للتعظيم ، ولم يقل عن ذكري ، لأنّ