وبالتدبّر العميق في السورة نجد ارتباطا وثيقا بين المحاور الثلاث فيها ، فالاعراض بالاضافة إلى كونه مظهرا للتكذيب هو سبب له أيضا ، وهذا يبيّن لنا أنّ تكذيب الرسالات ليس منطلقا من قناعة المكذّبين بها ، وإنّما من انحراف حقيقي في أنفسهم ، لأنّك تجدهم يعرضون عنها وبالتالي يكذّبونها قبل دراستها والتفكّر فيها.
ولكن ما هو علاج الاعراض والتكذيب عند البشر؟ إنّه التذكرة. والقرآن إنّما جاء ليحقق هذا الهدف الهام والكبير ، لذلك نجده من حيث المحتوى والأداء الأدبي والنفسي والفكري حكمة بالغة ، تنفذ إلى أعمق أغوار نفس الإنسان ، وأبعد آفاق عقله ، ولكن «لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» ، فهو ميسّر من قبل الله ، وهذا التيسير هو الذي جعل كلام الخالق الذي لا يتناهى عظمة وجلالا وعلوّا بيّنا وواضحا عند خلقه .. قال الامام الصادق (ع) : «لولا تيسيره لما قدر أحد من خلقه أن يتلفّظ بحرف من القرآن ، وأنّى لهم ذلك وهو كلام من لم يزل ولا يزال» (١) ، ولكنّ المعنى الذي يرتبط بعلاج الاعراض والتكذيب عند البشر هو أنّ القرآن يصوّر لنا الحقائق الكبرى ، كحقائق الغيب التي ينحسر عنها ـ لو لا تيسير القرآن ـ وعي الإنسان ، ومنها الآخرة ، تصويرا بليغا بحيث تصبح يسيرة الفهم والاستيعاب ، الأمر الذي يحدث تعادلا في عقل الإنسان بين ما غاب ممّا يحدث في المستقبل وما هو حاضر يحسه ويعايشه. إنّه يدعوه إلى التعايش مع الحاضر الذي تشتهيه نفسه على أساس المستقبل ، أو ينهاه عن استهلاك شيء حاضر لأنّه يوقعه في مهالك المستقبل.
__________________
(١) تفسير روح البيان / ج (٨) ـ ص (٤٣٣).