قال ابن عباس : «اجتمع المشركون إلى رسول الله (ص) فقالوا : إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ، فقال رسول الله (ص) : إن فعلت تؤمنون؟ قالوا : نعم ، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله (ص) ربّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشق القمر على عهد رسول الله (ص) فرقتين ، ورسول الله (ص) ينادي : يا فلان يا فلان! اشهدوا» (١) حتى قال بعضهم : «إنّني كنت أرى حراء بين فلقتي القمر»
وانشقاقه الذي حدث في عصر الرسول أو الذي يحدث فيما بعد ، من الظواهر الكونية الدالّة على قرب الساعة ، ولكنّ القرآن يقدّم الحديث عن الساعة على ظاهرة انشقاق القمر ، لأنّه محور الكلام والغاية منه. وكم هي رهيبة ساعة القيامة ، وكيف لا تكون كذلك وفيها تسير الجبال الشاهقة فتصير سرابا ، وتنتثر الكواكب كخرزات العقد المنفرط ، وتزلزل الأرض زلزالا عنيفا! (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)! إنّها مهولة جدّا! وتترك أثرا جذريّا لا نعرف نحن مداه ، ولا يقتصر ذلك الأثر على تاريخ البشرية وحدها ، كلّا .. بل هو تغيير كوني حاسم ، لأنّه اليوم الذي ينتهي فيه دور الإنسان على وجه الأرض ، وقد خلق الله ما في الأرض لأجله ، إذا فذهابه منها يقتضي تغيرا حاسما فيها. وربنا لم يقل (قربت) بل قال «اقْتَرَبَتِ» وهذه الزيادة التي لحقت بالفعل سببها دخوله في باب الافتعال الدال على بدل المزيد من القوة والجهد ، كما يدلّ قولنا اكتسب على استعمال القوة في الحصول على الرزق ، فالساعة تمرّ بمخاض عسير ، لأنّ حدوثها يقترن بتغييرات هائلة.
[٢] وانشقاق القمر ليس الآية الوحيدة التي تهدينا إلى الساعة والبعث ، فهناك من الآيات الأخرى الكثير ممّا يكفي سلطانا مبينا ، وحجة بالغة لنا على واقعية الساعة ، ولكنّ المشكلة في نفس الإنسان حينما يضل ، ويتبع هواه. إنّه يرى الآيات ويعقلها ، ولكنّه يعرض عن دلالاتها ، ويصرّ على باطله ، ولكي يتخلّص
__________________
(١) نور الثقلين / ج (٥) ـ ص (١٧٤).