الخاتم ، ورفع الطين ، وانكسفت الشمس ، وجاء من السماء ماء منهمر صبّا بلا قطر ، وتفجّرت الأرض عيونا» (١) والتاريخ يؤكّد أنّ الأرض قد غطّاها الماء في يوم من الأيّام ، ويستدل الباحثون على ذلك بآثار الحيوانات البحرية ، كالأصداف وهياكل السمك الموجودة في كلّ مكان حتى على الجبال ، إلّا أنّ التحليل التاريخي يختلف عن القرآن بأنّه يبقى تحليلا ماديّا بحتا ، وبغضّ النظر عن عدم مطابقته للواقع في اعتقادنا فإنّه يبقي القضية علما مجرّدا عن الموعظة والعبرة ، فأصحاب النظريات في هذا المجال يفسّرون الطوفان ـ مثلا ـ بأنّه نتج صدفة ، حيث مرّت بالأرض عواصف باردة تسبّبت في تكوّن جبال جليدية ضخمة ، ثم حدث انفجار في الشمس أخذت الثلوج على أثرها بالذوبان ، فتكوّنت السيول التي أغرقت اليابسة ، والقرآن يقول : كلّا .. إنّه لم يكن صدفة ، بل بتقدير إلهي حكيم نقرأ لمساته على هذه الظاهرة الكونية الخارقة للعادة ، حيث سبق إخبار نوح به ، وحيث لم يغرق فيه ولا مؤمن واحد ، ولم ينج منه ولا كافر واحد ، فهل هذا مجرّد صدفة؟!
(فَالْتَقَى الْماءُ)
المنهمر من السماء ، والمنفجر من الأرض.
(عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)
ونجد إشارة إلى هذا الأمر الالهي في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) (٢) ، وكان الأمر حكيما في جميع دقائقه ، فهو مقدّر من حيث الزمن بدء ونهاية ، ومن حيث العوامل وطريقة تنفيذه ، فلو تقدّم مثلا عن زمنه المحدود لربما كان يغرق نوح (ع) ومن معه لعدم الاستعداد ، ولو تأخّر أمر الله بإنهائه ربما لم تكن
__________________
(١) نور الثقلين / ج (٥) ـ ص (١٧٨).
(٢) هود / (٤٠).