وكلمة «تَنْزِعُ» تدل بوضوح على مدى تشبّثهم بالحياة ، واعتمادهم على أسباب القوة والبقاء الظاهرية ، بالرغم من أنّهم يعيشون في داخلهم الضعف والانهيار ، كسائر الأنظمة الطاغوتية التي يشبّهها الله ببيت العنكبوت مع أنّ ظاهرها القوة والمتانة ، وهذا الضعف ناتج من اتباعهم الباطل ، ومخالفتهم سنن الحياة ، ذلك أنّ أسباب القوة الحقيقية تكمن في اتباع الحق والتسليم لله ، وقد اعتمد قوم عاد على ذاتهم كما بيّنا ذلك في الآيتين (١٥) من سورة فصّلت.
يقول تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١) ، وهنا يشبّههم بشيء آخر فيقول عزّ من قائل :
(كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)
اهترأ وتجوّف بمرور الزمن وتعرّضه للعوامل الطبيعية المتلفة ، وتقطّعت عروقه ، فهو لا يحتاج حتى يهوي إلى الأرض من أصوله فيتحطّم إلّا لأدنى دفع ، وقد شبّههم الله بالنخل الذي اجتثّ من قعره (وإنّما أراد تعالى أنّ هؤلاء اجتثوا كما اجتثت النخل الذاهب في قعر الأرض فلم يبق لهم رسم ولا أثر) (٢) ، «فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ» (٣) تهاوت على بعضها ومتفرقة هنا وهناك.
[٢١ ـ ٢٢] ومع ما تحمل هذه الآيات الكريمة من بلاغة وأسلوب أدبي رفيع ، إلّا أنّها ما جاءت لكي يظهر ربنا إعجازه البلاغي والأدبي للناس وحسب ، أو لتكون ميدانا للصراع بين علماء البلاغة واللغة أو بين المفسّرين ، بل جاءت موعظة
__________________
(١) العنكبوت / (٤١).
(٢) مفردات الراغب / ص (٤٠٩).
(٣) الحاقة / (٧).