وصدّعت أكبادهم ، وقد كانوا في تلك الثلاثة أيّام (التي سبقت الصيحة بالنذر) قد تحنّطوا وتكفّنوا وعلموا أنّ العذاب نازل بهم ، فماتوا أجمعين في طرفة عين ، صغيرهم وكبيرهم ، فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ، ولا شيء إلّا أهلكه الله ، فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ، ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين» (١) لكي لا يبقى لهم أثر في الحياة ، وتحدث الله بضمير الجمع «إِنَّا» الدال على التعظيم والتكبر لأنّ المقام مقام عزّة الله وسلطانه.
(فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)
وهو بقايا العلف والحشائش والأعواد اليابسة التي تتراكم في حظيرة الماشية ، وتبقى وتهشّمها بأظلافها وحوافرها ، وحيث لا تجد طريقا للخروج منها تظل تدوسها بكثافة وقد ذكر معاني أخر للهشيم الا ان ما ذكرنا يبدو أقرب منها.
[٣٢] هكذا كان مصيرهم وعذابهم ، وما تصوّره الآيات لنا عنه مجرّد لقطات يحفظها القرآن لإنذار البشرية وتذكيرها عبر الزمن ، ونحن لا نستطيع تصوّر الصيحة التي عبّر بها الربّ يومئذ عن غضبه بعقولنا المحدودة ، ولا نستطيع أن نتخيّل ثمود وقد تعرّضوا لها ، بالذات لو كنّا في مجتمع القرآن الأوّل أيّام الرسول (ص) حيث لم يصنع الإنسان الأسلحة التدميرية المعاصرة ، لذلك نجد القرآن يقرّب لنا الصورة بتشبيه واقعي تستوعبه عقولنا ، ويفهمه حتى ذلك البدوي الذي يقطن الصحراء ، وهذا من منهج الله في تيسير كتابه المجيد.
قال الإمام الصادق (ع) يحكي قصتهم :
«هذا كان بما كذّبوا صالحا ، وما أهلك الله عزّ وجلّ قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم ، فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم فلم يجيبوه ، وعتوا
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ١٨٤