(وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ)
لقد كان عذابا مستقرا لا يجدون منه فكاكا لا في دنياهم ولا في الآخرة.
ويبدو أنّ كلمة «مُسْتَقِرٌّ» تفسير لقوله سبحانه في فاتحة السورة : «وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ» ، ومعناها أنّ عذاب أولئك القوم كان من السنن الثابتة والمستقرّة في الحياة ، ونجد تفصيلا للعذاب ، وبيانا لهذه الفكرة ، في موضع آخر من القرآن ، إذ يقول تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (١) ، لأنّ العذاب لم يكن خارقا لسنن الحياة ، ولا عرضا طرأ عليها ، بل هو جزء منها ومظهر لها ، وهي مستقرة لا تحويل لها ولا تبديل إلى يوم القيامة ، وقد أذاقهم الله هذا العذاب كما أذاقهم عذاب الطمس.
(فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ* وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
هكذا يصرخ فينا القرآن يدعونا إلى مأدبة الله ، ويعيد هذه الدعوة بصيغة أخرى فيقول : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢). إنّ القرآن ذاته ميسّر للذكر والتدبّر ، ولكن قلوبنا هي المعقدّة ، إنّه يفتح لنا يفتح أبواب العلم والايمان ، ونغلق قلوبنا عنه بالذنوب والأفكار المتخلّفة. أرأيت كيف يرفع البعض دعوة تضاد دعوة الله ، وتصد عن كتابه؟! إنّهم يقولون : لا يجوز لأحد أن يتدبّر في القرآن ، ولا يفسّره ، ويبرّرون ذلك بالحساسيات المفرطة المتزمتة ، وبأنّه معقّد لا يفهمه إلّا المجتهدون والفقهاء ، ولكنّ القرآن جاء ليردّ هذه الفكرة ويهدينا للتي هي أقوم بنصّ قرآني ظاهر لا يقبل التأويل ولا الاجتهاد.
__________________
(١) هود / ٨٢ ـ ٨٣
(٢) محمّد / ٢٤