وتكذيبهم ومراءوهم ، فلقد أرسل الله إلى نبيّه الملائكة ومن بينهم جبرئيل (ع) ، ولكنّه أنزلهم في صورة جميلة لتبدأ البطشة من محاولة الاعتداء عليهم فيتأكّد للقوم بأنّ هلاكهم كان نتيجة لذلك الانحراف الذي حذّرهم من عواقبه لوط (ع) ، ويؤخذوا بالجرم المشهود.
(وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ)
يريدون بهم الفاحشة ، «قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ* قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ* قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» (١) إنّه حاول إصلاحهم في بادئ الأمر بتوجيههم إلى الجنس الآخر علاجا لانحرافهم ، ورفعا للحرج مع الضيوف ، ثم هدّدهم باستخدام القوة «فصاح به جبرئيل فقال : يا لوط! دعهم يدخلون ، فلمّا دخلوا أهوى جبرئيل (ع) بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم» (٢)
(فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ)
قيل أنّ الطمس هو حجب البصر مع وجود العين على طبيعتها ، وقيل أنّه القلع والمسح ، والذي يبدو أنّه ذهاب الرؤية مع ضمور المعالم الظاهرية للعين ، وعند ما أنزل الله بهم العذاب ربما رفع قدرتهم على الاحساس إلى أقصاها تفاعلا ووعيا زيادة في العذاب ، إذ لا قيمة لعذاب لا يتذوّقه صاحبه.
[٣٨ ـ ٤٠] كان ذلك (طمس الأعين) عذابا مؤقتا ، أمّا العذاب الأوهى والمستمر ، الذي يتصل بالعذاب المقيم في الآخرة ، فقد ابتدرهم أوّل الصباح.
__________________
(١) هود / ٧٨ ـ ٨٠
(٢) نور الثقلين / ج ٥ ص ١٨٥