أيّا كان ، وفي أيّ مكان وزمان.
[٣٦ ـ ٣٧] ويعود القرآن إلى التأكيد على أنّ العذاب مرّ بدورة متكاملة : انحراف بشري نذر إلهية تكذيب بشري وإصرار على الانحراف العذاب من عند الله (النقمة في مقابل النعمة) ، إنّ لوطا شخّص الانحراف الاجتماعي ، وسعى جاهدا إلى التغيير والإصلاح ، فأنذر قومه من عواقب ضلالهم وأنّه يؤدي بهم إلى الانتقام الشديد الذي لا قبل لهم به من عند ربّهم.
(وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا)
وبدل أن يفكّروا في النذر ويتعظوا بها صاروا يتمارون ، والتماري كما يبدو هو الشك الذي يتحوّل إلى تشكيك اجتماعي ، وقوم لوط لم يكتفوا بتكذيبهم ، بل صار الواحد يدخل الشك إلى الآخر لكي يمعنه من الايمان بالنذر البالغة ، وسمّي الجدال مراء لأنّ أطرافه يشكل الواحد على الآخر بقصد ردّ حجته وإبطالها.
(فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ)
فكانوا يدافعون عن ضلالهم وباطلهم في مقابل الحق ، استهزاء وجمودا ، ويسعون إلى تغلّب أفكارهم وباطلهم على الحق المبين في أذهان بعضهم ، وذلك بصرف الآيات وتأويلها إلى غير مضامينها ، وهذا منهج المكذّبين عبر التاريخ ، فها هم قوم عاد يدعوهم هود إلى الايمان ، فإذا بهم يصرّون على باطلهم إلى آخر لحظة : «فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ» (١) ، وإلى مثل هذا انتهى انحراف قوم لوط
__________________
(١) الأحقاف / ٢٤ ـ ٢٥