يدلّ على أنّ تحريم الطيبات والجمود والانغلاق نوع من السفه بل من الظلم للنفس.
قال تعالى : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) (١) وقال الإمام علي (ع) : اتقوا الله في عباده وبلاده ، فإنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم (٢) وفي احتجاجه على عاصم بن زياد حين لبس العباء ، وترك الملاء (أي تصوّف فتخلّى عن الدنيا واعتزل الناس) وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين (ع) أنّه قد غمّ أهله ، وأحزن ولده بذلك ، فقال أمير المؤمنين (ع): «عليّ بعاصم بن زياد» ، فجيء به فلمّا رآه عبس في وجهه فقال له : «أما استحيت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟» ثم دعاه إلى عمارة الأرض والانتفاع بالطيبات فيها قائلا : أترى الله أحلّ لك الطيبات وهو يكره أخذك منها؟! أنت أهون على الله من ذلك. أو ليس الله يقول : «وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ»؟! إلى أن قال : فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحبّ إليه من ابتذالها بالمقال ، وقد قال عزّ وجلّ : «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» فقال عاصم : يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة ، وفي ملبسك على الخشونة؟! فقال : «ويحك! إنّ الله عزّ وجلّ فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره» (٣).
إذن ليست النعم والإمكانات في الأرض مباحة للإنسان فقط ، بل ينبغي له أن يسعى لتسخيرها والانتفاع بها أيضا.
[١١ ـ ١٢] ثمّ إنّ القرآن يذكّرنا ببعض النعم التي مهّد الله بها العيش على الأرض ، والتي هي مظهر لاسم الرحمن أيضا ، ويبدأها بالفاكهة وهي ذات فائدة
__________________
(١) هود / ٦١
(٢) نهج / خ ١٦٧
(٣) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ١٨٩ وتتمته ص ١٩١