بقدر حاجة البشر.
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ)
والقرآن يشير إلى معنى الوضع هنا في آية أخرى إذ يقول : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١) ولو لا رحمة الله وتمهيده الأرض لنا لاستحال عيشنا على هذا الكوكب كما هو مستحيل على الأجرام الأخرى كالشمس والزهرة وغيرهما ، وفي الآية فكرتان حضارية وشرعية نستفيدهما من كلمة «وَضَعَها» :
الأولى : أنّ الله سخّر الأرض عمليّا للإنسان ، وأعطاه الوسائل والقدرات العلمية والمادية يسمّيها القرآن «سبلا» للانتفاع بها والهيمنة عليها من قمم الجبال الشاهقة إلى قعر المحيطات ، فعليه أن يسعى لتسخيرها في مصلحته ، وأي بقعة لم يسخّرها الإنسان من الأرض أو أيّ فرصة أو طاقة فإنّما ظلم نفسه ، وألحق بها خسارة وغراما ، والتبصّر بهذه الحقيقة يزيل عن البشر الانطواء والتردّد والخشية من التقدّم ، وهكذا تحرّض هذه الحقيقة الإنسان نحو المزيد من التقدم ، وتفتح له آفاقا واسعة.
الثانية : ثم انّ الآية تهدينا شرعا إلى أنّ الإباحة هي الأصل في النعم حتى يدل الدليل على الحرمة ، كما قال الله عزّ وجلّ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢).
ولعل النصوص الشرعية لا تدلّ فقط على إباحة كلّ شيء للإنسان (إلّا ما أقيمت الحجة على حرمته) ، بل وأيضا على ضرورة الانتفاع بما في الأرض ، ممّا
__________________
(١) الزخرف / ١٠
(٢) الأعراف / ٣٢