(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
إنّها من الكثرة والوضوح بما لا يجد أحد سبيلا لإنكارها ، لنقف ساعة تفكّر. كم هي نعم الله علينا؟ كلّ ذرّة في كياننا وفي المحيط من حولنا هي نعمة من الله ، وكلّ لحظة نمارس فيها الحياة هي الأخرى نعمة. ولو أنّنا صيّرنا أغصان الشجر أقلاما والورق كتبا ، والبحار مدادا ، فإنّنا لا نزال عاجزين عن إحصائها ، وربّنا إذ يكرّر هذه الآية الكريمة بعد كلّ مقطع يشتمل على ذكر لشيء من آلائه ، فإنّما ليؤكّد لنا بأنّ ما ذكر هو شيء بسيط من النعم الكثيرة ، كما في قوله عزّ وجلّ : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ* وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (١)
بلى. إنّ نعم الله جاءت لكي تلبّي حاجات الإنسان المادية والمعنوية ، ولكنّ هدفها الأعظم أن يهتدي بها إلى المزيد من المعرفة بربّه ، وربّنا في سورة النحل يقول وقد تعرّض لذكر جانب من نعمه في (١٥) آية : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ* أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
إذا فالأهمّ من الاهتداء بالسبل في الأرض وبالنجوم إلى معرفة الطرق والوصول إلى الأهداف المحدودة ، والأهمّ من معرفة عدد النعم ، أن يهتدي الإنسان بذلك كلّه إلى ربّه عزّ وجلّ. وكم يكون البشر ظلوما وجهولا إذا أشرك بربّه أو كفر به وهو
__________________
(١) إبراهيم / ٣٢ ـ ٣٤