العارف» كما قال الإمام العسكري (ع). والشاكر كما يقول الإمام الهادي (ع): «أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر ، لأنّ النعم متاع ، والشكر نعم وعقبى» (١) ، «وشكر المؤمن يظهر في عمله ، وشكر المنافق لا يتجاوز لسانه» (٢) وجاء في الصحيفة السجادية : الحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة ، وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرّفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسّعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حدّ البهيمية ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه : «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» (٣).
والذي يلاحظ سورة الرحمن يجد آياتها تنصبّ في منهج محدّد ، فمقاطعها ترتكز على اسم الرحمن الذي جاءت السورة لتعرّفنا به من خلال تجلّياته في جوانب الحياة المختلفة ، ومن هذا المنطلق يذكّرنا كلّ مقطع فيها ببعض آلاء الله ثم يضع أمامنا التساؤل الذي تكرّر (٣١) مرّة ، وهكذا تتوالى المقاطع بنفس الصيغة حتى الأخير. إذن فالسورة تستهدف تعريفنا بربّنا ، كخطوة أولى تنقلنا بها إلى الهدف الأسمى من المعرفة ألّا وهو العبادة بتمام المعنى. أترى هذه النعم كلّها جاءت لهدف ودور محدّد هو مصلحة الإنسان ، فما هو هدف الإنسان نفسه ، وما هو الدور الذي يقوم به لتحقيق ذلك الهدف؟ إنّه معرفة الله من خلال آياته ونعمه ، والقيام بها كما يريدها عزّ وجلّ خلال عبادته.
[١٤ ـ ١٦] وهنا يوجّه القرآن أنظارنا وعقولنا إلى تجلّ آخر لرحمة الله متمثّلا في خلقه الإنس والجن.
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ١٨٧.
(٢) بح / ج ٧٨ ـ ص ٣٧٨
(٣) الدعاء الأول.