(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ)
قيل أنّ الصلصال هو المنتن من الطين ، من قولهم صلّ اللحم (١) إذا تعفّن وتغيّر ، وقال عليّ ابن إبراهيم : هو «الماء المتصلّل بالطين» (٢). إذن خلق الله الإنسان من هذه المادّة الوضيعة في نظرنا (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٣) ، ولكنّه بقدرته صيّره خلقا محكما ، فيه الأذن التي تلتقط بمثلثاتها أدقّ الأصوات وتميّز بينها ، والكبد التي تقوم بأكثر من (٧٠٠) عملية ، والمخّ الذي هو أكثر الأشياء إعجازا في الإنسان ، والنخاع الذي هو امتداد لخلايا المخ ، والذي لو حاولنا استبدال سانتيمتر مربّع منه لاحتجنا إلى جهاز كمبيوتر ضخم بحجم الغرفة الكبيرة ، يستطيع أن يستوعب حسابات الدنيا كلّها!
إنّنا لا نستطيع أن نتصوّر العدم المحض حيث خلقنا الله ولم نك شيئا ، ولكنّنا قد نستطيع تصوّر المسافة الهائلة بين صلصال من طين وبين إنسان سوي لنعرف جانبا من عظمة الخلق. هذا في الجانب المادي ، أمّا إذا تجاوزناه إلى عالم الروح حيث نفخ الله في آدم من روحه فهنالك التجلّي الأعظم ، وسبحان الله أحسن الخالقين.
(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ)
أي النار المختلطة فهي إذا قويت التهبت ، ودخل بعضها في بعض ، كما يتداخل ماء البحر في بعضه ، وأساس الخلق نعمة ينبغي على الجن شكرها ، فكيف وقد منّ الله عليه من القوة ما يستطيع بها نقل عرش عظيم كعرش بلقيس من اليمن حتى فلسطين قبل أن يقوم سليمان (ع) من مقامه! وإذا نظر كلّ منهما إلى أصله ،
__________________
(١) مفردات الراغب.
(٢) نور الثقلين / ج ٢ ـ ص ٧
(٣) السجدة / ٨