«بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ» فان لها ثلاثة وستين برجا تطلع كل يوم من برج ، وتغيب في آخر ، فلا تعود اليه إلّا من قابل في ذلك اليوم» (١) ولا شك ان الفصول الأربعة نعمة إلهية تدخل رقما أساسيا في تكامل الحياة ونموها. ولولاها لكانت تنتفي الكثير من صفات التنوع والتكامل عند الإنسان وفي الطبيعة والأحياء ومن حوله ، وقد قال بعض العلماء ان أكثر الحضارات نشأت في البلاد ذات الفصول القاسية ، فمن أجل مواجهة الحر الشديد دأب الإنسان على اكتشاف وسائل التكيّف في لباسه ومنزله والوسائل التي يستخدمها ، وبذات الروح تحدى قسوة البرد ، ولا شك أيضا ان تنوع الفصول يكمل الوجود النفسي والروحي والجسمي للإنسان ويخدم مصلحته ، ويفسح المجال أكثر فأكثر لتفجير طاقاته واستغلال الطبيعة وتسخيرها.
وتذكرنا الآية أيضا بحركة الأرض حول نفسها مرة واحدة في كل يوم ، وما ينتج من تعاقب الليل والنهار ، الذي يكمل هو الآخر مسيرة الإنسان ويخدم مصالحه وتطلعاته في الحياة ، فسباته بالليل ونشاطه وسعيه بالنهار ، وقوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) لا يحتاج إلى تفصيل وبيان ، لأنه وقد تقدم بنا العلم أصبح الكل يعي هذه الحقيقة وهي انقسام الأرض الى شطرين ، فاذا كان النصف الأول يستقبل الشمس بالشروق فانها لا ريب تودع الآخرين غروبا ، والعكس صحيح ، إذا فهناك مشرقان ومغربان يتعاقبان على الكرة الأرضية.
وكلتا الحركتين نعمة تعكس لنا اسم الرحمن ، ولكنك ترانا ونحن نعيش بكل ذرة في وجودنا محاطين بآلاء الله نكذب بها. أفلا يحق لربنا إذا أن يكرر معاتبتنا وتذكيرنا؟!
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ١٩٠