النعمان ، إذا أقبلت يتلألأ وجهها نورا ساطعا ، كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا ، وإذا أدبرت يرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها ، في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك الأذفر ، لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها وهي تنادي : هذه ثواب الأولياء ، (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١).
[٢٥ ـ ٢٦] بعد راحة الجسد يحدثنا السياق عما يريح القلب ، فأوّله : اعتزاز النفس بماضيها ، وحسن انتخابها لسعيها ، والثاني : طهارة الجو من الكلام البذيء ، فلا يتنابزون بالألقاب ، ولا يترامون التهم والغيبة ، ولا يمشون بالنميمة. كلا .. ولا يقولون لبعضهم : أثمت ، وفعلت كذا ، وتركت كذا ، كما يقول البعض للمؤمنين في الدنيا ، وكما يتبادل غيرهم القول دائما.
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً)
من الغيبة والتهمة والنميمة.
(وَلا تَأْثِيماً)
فحشا ، واستهزاء وسخرية.
لقد صبروا أياما قليلة على جراحة اللسان ، ولم ينهزموا أمام الدعاية البذيئة التي نفثتها أبواق الشياطين ، فأعقبتهم راحة طويلة من الحياة الهنيئة.
وإذا فكرنا في أسباب الشقاء في الدنيا لعلمنا أن أشدها أثرا ، وأبلغها ألما هي سموم الألسنة البذيئة ، ولا أثر لها في الجنة. لما ذا؟ لان هذه الالسنة تنطق عن قلوب مليئة بالأحقاد ، والآلام ، والعقد ، والجنة نظيفة من كل ذلك ، فقد نزع الله سبحانه
__________________
(١) القرطبي / ج ١٧ ـ ص ٢٠٦