قال الإمام الصادق (عليه السلام)(يعني (الْأَوَّلِينَ)) : من الطبقة التي كانت مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، (ويعني (الْآخِرِينَ)) : «بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من هذه الأمّة» (١) ، وهذه النظرة الواقعية المتوازية تنفي موقف المغالات في الأوّلين من المسلمين بأنهم كلّهم سابقون ، وأنّ الهداية تتحقق باتباع أيّ منهم ، على التفسير المطلق للحديث : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ، فإنّ الجيل الأوّل وإن كانت الحضارة الإسلامية تأسست بجهودهم ، وسطّروا الملاحم والمجد ، إلّا أنّ بعضهم السابقون وأقلّ من ذلك أصحاب اليمين ، كما أنّ بعضهم المنافقون بصريح القرآن : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) (٢) ، وهي تنفي موقف اليأس من حال المسلمين اليوم ، كلّا .. فقد يصبح الواحد منّا من السابقين أولا أقل من أصحاب اليمين كما الجيل الأوّل سواء بسواء.
ذلك لأنّ الأمة الإسلامية كانت ولا تزال خير أمّة أخرجت للناس ، وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «إنّي لأرجو أن يكون من تبعني ربع الجنة» قال : فكبّرنا. ثم قال : «إنّي لأرجو أن يكونوا ثلث أهل الجنة» فكبّرنا ، ثم قال : «إنّي لأرجو أن يكونوا شطر أهل الجنة» ثم تلا (صلّى الله عليه وآله وسلم) «الآيتين» (٣). وفي الخصال للشيخ الصدوق (ر ض) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «أهل الجنّة مأة وعشرون صفا ، هذه الأمّة منها ثمانون صفّا» (٤).
ويكفي بالثلّة هنا كثرة إذا اعتبرنا الأوّلين هم الأمم السابقة حسب بعض
__________________
(١) المصدر
(٢) التوبة / ١٠١
(٣) مجمع البيان / ج ٩ الموضع
(٤) الخصال / ج ٢ ص ٦٠١