الروايات ، والآخرين هي أمّة الإسلام ، وقد عدلها الله بهم ، فقال : ثلّة من أولئك وثلّة منها.
[٤١ ـ ٤٢] ويبدأ السياق شوطا جديدا من الحديث يتمحور حول الفريق الثالث من الناس وهم أصحاب المشأمة والذين يتسلمون كتابهم بشمالهم أو من وراء ظهورهم ، والذكر الحكيم لا يكتفي بذكر مصيرهم البئيس وحسب ـ كما هو الحال بالنسبة للسابقين وأصحاب اليمين ـ بل يبيّن أهمّ الأسباب التي تصير بالبشر الى ذلك ، هداية لنا الى النجد الصحيح ، وإنذارا من التورط فيها.
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ)
والشمال كناية عن الشؤم (١) ، وهذا المعنى واضح إذا فسّرنا الكلمة هنا بالآية التاسعة ، فهذا الفريق هم المعنيّون بالمشأمة ، ومع أنّهم يعطون كتابهم بشمالهم (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) (٢) ، إلّا أن القرآن لا يسميهم بأصحاب اليسار ، لأنها مأخوذة من اليسر تفاؤلا كالمفازة للصحراء ، ذلك ان قوة الإنسان في يمينه ، ويستخدمها بيسر وسهولة ، بينما يواجه حرجا وعسرا في إعمال شماله ، فقيل يسار رجاء اليسر. ونستوحي من ذلك ان سيرة المتقين والمؤمنين هي المسيرة الطبيعية التي تنسجم مع واقع الإنسان والحياة ، وان مسيرة أهل النار هي الشذوذ عن مسيرة الخليقة. أو ليس كل شيء في العالم يسلم لله ويخضع لسننه ويسبح بحمده؟ وكيف لا يكونون كذلك (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (٣) ، بينما نجد هؤلاء يكفرون بالله ، ويشركون به ، وينكرون الحقائق الكبرى كالبعث ، ويخالفون سنن الله وأوامره.
__________________
(١) المنجد مادة شمل بتصرف
(٢) الحاقة / ٣٥
(٣) الإسراء / ٤٤