وإذا كان تجلّي الشمال واليمين والمشأمة والميمنة في يوم الدين هو إعطاء الكتاب بإحدى اليدين فان تجليهما في الواقع الاجتماعي والسياسي هو القيادة الصالحة بالنسبة لليمين ، والفاسدة بالنسبة للشمال ، وقد وردت بهذا التأويل روايات كثيرة من بينها : قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للإمام علي (عليه السلام) : «هم شيعتك» (١) يعني أصحاب اليمين ، وقول أبي عبد الله (عليه السلام) : «والكتاب الامام ، ومن أنكره كان من أصحاب الشمال الذين قال الله : الآيات» (٢) ، ومن هذه الاخبار وأمثالها استلهم علي بن إبراهيم (ر ض) تفسيره للآية : يعني من كان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) (٣) ، ومثل الشمال : الجبارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته» (٤).
وهنا نجد السياق القرآني يختلف عما سبق ، فحين ذكر أصحاب اليمين من بعد السابقين لم يبين صفاتهم ، بينما هنا يذكر صفات أصحاب الشمال مما يثير التساؤل : لما ذا؟ ويبدو أنّ الاجابة تتوضّح إذا عرفنا أنّ الإنسان خلق أساسا ليكون من أصحاب الجنة. أو ليس خلقنا ليرحمنا؟ فدخول النار شذوذ عن هدف الخلقة لا بد ان نبحث عن سبب له ، وهكذا يبيّن القرآن عوامل دخول النار التي من تجنّبها تفضّل الله عليه بالجنة ، والأسلوب القرآني بديع في بيان موجبات النار حيث يجعل بيانها مسبوقا ببيان جانب من العذاب الشديد ، ثم يلحقه بإشارة الى ألوان اخرى منه أيضا ، وذلك لكي يخوفنا من مصيرهم ، فما هو مصيرهم؟ إنّهم :
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٢٩ نقلا عن روضة الكافي
(٢) المصدر / ص ٢٢١
(٣) تفسير القمي / ج ٢ ص ٣٥٠
(٤) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢١٤