كل شيء في الإنسان وفي الافاق يهديه الى تلك الحقيقة العظمى ، وحتى أولئك الجاحدون لا ينكرونها بقناعة إنما كفروا (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (١). إذا فنحن نحتاج فقط الى النظر والتفكر في آيات الله بعيدا عن الحجب والخلفيات الخاطئة ، حتى نصدق بذلك.
[٥٨ ـ ٥٩] ويبدد القرآن الحجب التي تحول دون رؤية هذه الحقيقة والتصديق بها ، فيقول :
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ)
هذه القطرات التي تندفق منك والتي لا تعرف منها شيئا كثيرا ، هل تزعم أنك الذي تصنعه في صلبك ، أو تهيأ أدوات قذفه حتى تحسب أنك الذي تخلقه؟
وكان يستطيع القرآن أن يلقي علينا الحجة البالغة لو ساءلنا عن خلقة آدم وحواء ولكنه يدع ذلك الغيب إلى شهود يراه ويعايشه كل بشر (الأمناء) ويطرح السؤال التالي
(أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ)
من الذي أنشأ المني وهل كان بامكانك إيجاده قبل البلوغ؟ وحين بلغت هل تكون بتدخل منك وعلم وتخطيط وإرادة؟ ثم كيف تطور الحيمن ونمى من مرحلة الى اخرى حتى يصير إنسانا سويا ، إنه لا ريب ليس من صنع الإنسان ، ولا بعلمه. انما يتطور ضمن القوانين والسنن الالهية ، وبإرادة الهية. إذ لا تعمل القوانين إلّا باذنه ذلك بأن (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) (٢). ثم إذا
__________________
(١) النمل / ١٤.
(٢) الشورى / ٤٩ ـ ٥٠.