الخسارة ويلحقه الندم والشعور بالهوان (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) (١) ، حتى ليصبح حديثه عن ذلك أكله وشربه ومحوره الذي يدور حوله في كل لحظة ، لعله يروح بذلك عن نفسه بعض الشيء.
والآراء التي ذكرها المفسرون في هذه الآية قريبة من هذا المعنى إذ قالوا : تعجبون ، وقالوا : تندمون وقال بعضهم تتلاومون نادمين على ما حل بكم (٢). وربما كان المعنى الأخير أقرب والسياق التالي يدل عليه حيث انهم كانوا يقولون :
(إِنَّا لَمُغْرَمُونَ)
وفي اللغة غرم أي خسر في التجارة ، والغرم ما يعطى من المال على كره (٣). فالله القادر على جعل المزارع حطاما ، وفرض الغرم علينا ، بأن يرسل السماء بماء منهمر يغرق الحقول ، أو يرسل أسراب الجراد فلا تبقي زرعا ولا ضرعا ، أو يبعث ملايين الفئران تقضم الأخضر واليابس فنجد أنفسنا مغرمين خاسرين لكننا إذا تفكرنا بمنهج سليم ، نكتشف أن الخسارة (الغرامة) التي فرضت علينا ليست بالصدفة ، بل هي بإرادة متصرف في الحياة ويمضي في مصائرنا وأرزاقنا ما يشاء ، فيرزقنا أو يمنعنا ويحرمنا متى شاء وكيف.
(بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)
إذن فارزاقنا يقسمها مقسم هو الخالق تعالى ، وما دام هو الزارع ، فبيده الحرمان ، فلما ذا نشرك به أو نكفر؟ وما دامت إرادته نافذة في الحياة لا يمنعها مانع فلما ذا نشك في البعث ونصير في لبس من خلق جديد؟ أو لا يكفي ذلك دافعا الى
__________________
(١) الفجر / ١٦.
(٢) القرطبي / ج ١٧ ـ ص ٢١٦.
(٣) المنجد / مادة غرم.