فمن أين تطلب الرزق إلّا من موضع الرزق ، وموضع الرزق وما وعد الله عزّ وجلّ السماء» (١).
[٢٣] أقرب الأشياء إليك نفسك ، وتتجلى النفس لذاتها حين تفكر ، وأعظم لحظات التفكر هي عند ما تنطق ، وإذا قال بعضهم : أنا أفكر فاذا أنا موجود. وقال آخر : الإنسان حيوان ناطق فلأن التفكر حالة يقظة النفس لذاتها ، أما النطق فهو ذروة هذه اليقظة. وقد يشك العقل في معطيات الحواس لان بعض أحاسيس الاذن طنين الدم من داخل البدن ، والبصر قد يزيغ واليد قد تصاب بالبرد دون سبب خارجي. أما النطق فلا يشك العقل فيه لأنه من أعظم آيات الله في البدن ، ومن أصعب الفعاليات عند البشر ، حيث يشترك فيه الجسم والروح معا. انه قمة الوعي عند الإنسان ، لا يشكّ فيه أحد حتى المثاليون والسوفسطائيون يزعمون بأنّهم على يقين من انهم ينطقون ، وعلى ثقة بما يقولون.
من هنا يحلف القرآن يمينا برب السماء ان وعد الله حق ، وأن البعث والنشور حق ، كما أن نطق الإنسان حق عند نفسه.
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)
وحين يكون القسم بربّ السماء والأرض يكون أقرب إلى وعينا ـ نحن البشر ـ لأننا نعرف شيئا من ضخامة السماء والأرض ، فلا بد أن نهتدي بذلك إلى بعض جوانب قدرة الرب وتدبيره إذا عرفنا انه ـ سبحانه ـ هو رب السماء والأرض.
ثم يكون التأكيد بالغا حيث يضاف إلى القسم ان ولام التأكيد ، ويشتد التأكيد بأن يضرب له مثل الحق بحالة النطق.
__________________
(١) المصدر / ص ١٢٤