الموقف السليم منهن تأتي الآيات الثلاث الأخيرة لتؤكد على حقيقة هامة يجب الالتفات إليها في تقييم الناس ، وهي أنّ قيمة كل إنسان بأعماله ومواقفه هو صالحة أو فاسدة ، بغض النظر عمن حوله ومن ينتمي إليه. إذن لا يصح أن نفسر التاريخ والقرآن والمواقف تفسيرا تبريريا توفيقيا عند الحديث عن أخطاء أقرباء الأنبياء نسبا أو صحابة أو زواجا لأنّ ذلك يجعلنا في غموض ، فقد يكون أقرب الناس إلى نبيّ من الأنبياء مثلا للكفار كزوجتي نوح ولوط ـ عليهما السلام ـ ، بينما يصبح أقرب الناس إلى بؤر الانحراف أمثال فرعون والبيئات الفاسدة مثلا للمؤمنين كآسية بنت مزاحم ومريم ابنة عمران ، دون أن يكون في ذلك إساءة إلى الأنبياء والصالحين ولا إحسان إلى المنحرفين اللذين ينتمي إليهم كلا المثلين.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً)
لأن الشفيع الحقيقي للإنسان عمله الصالح لا القرابات ولو كانت من الأنبياء والأولياء ، وأعمالهما كانت سيئة لما انطوت عليه من خيانة لزوجيهما بإذاعة السر والتظاهر لجبهة الكفر (١) وخيانة للرسالة والقيم التي جاءا بهما ، فما نفعتهما القرابات وما بقي لهما شيء يتميزان به عن الناس ، فالقرابة وحدها ليست ذات قيمة عند الله إنّما العمل ، بل إنّ انتماء الإنسان إلى أيّ شخص أو أيّة جبهة لا يقاس بالحسابات المادية كالمسافة والنسب إنما بنوع العمل ، وانتماء هاتين الزوجتين كان إلى جبهة الكفار في الدنيا وأهل النار في الآخرة لتجانس الأعمال لذلك لم يغني عنهما نوح ولوط شيئا.
__________________
(١) في المجمع ج ١٠ قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس إنّه مجنون ، وإذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به ، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه.